في بطولة دولية كبرى بلغت إسبانيا نهائي كأس اوروبا لكرة القدم عن جدارة واستحقاق بالفوز في المباريات الست التي خاضتها حتى الآن بالعلامة الكاملة، ولم يتبق سوى خطوة واحدة نحو التتويج… فهل تنصف البطولة القارية الفريق صاحب أجمل أداء، لعباً ونتائج، في المحطة الأخيرة؟
واجتاز المنتخب الإسباني عقبة نظيره الفرنسي في نصف النهائي 2-1، لتؤكد كتيبة المدرب لويس دي لا فوينتي أنها الأبرز والأقوى في «يورو 2024». ولإسبانيا أن تفخر بتشكيلتها المتنوعة التي تجمع بين المواهب الواعدة وأصحاب الخبرة القادرون على صنع الفارق، لكن لديها من يستحق الكثير من الثناء وهو لامين جمال الذي بات في سن 16 عاما و362 يوما، أصغر مسجل لأهداف على الإطلاق في أي من بطولتي أمم أوروبا وكأس العالم، بهدفه المذهل الأول في مرمى فرنسا.
وبعد أن قدم 3 تمريرات حاسمة خلال مشواره مع المنتخب الإسباني في يورو 2024، سجل جمال هدفه من تسديده رائعة الكرة في الزاوية اليسرى العليا لمرمى فرنسا بالدقيقة 20 مانحا بلاده التعادل بعد أن تأخرت بهدف راندال كولو مواني في الدقيقة التاسعة. وحسم داني أولمو الفوز للماتادور بالهدف الثاني في الدقيقة 25.
وتفوق جمال على السويسري يان فونلانثين، صاحب الرقم القياسي السابق كأصغر هداف في أمم أوروبا، وكذلك على الأسطورة البرازيلي بيليه، أصغر هداف في تاريخ المونديال.
ويستعد جمال للاحتفال بعامه الـ17 يوم السبت المقبل، لكن الاحتفالات الحقيقية ربما تأتي في اليوم التالي إذا رفعت إسبانيا الكأس الأوروبية للمرة الرابعة. وقال جمال، الذي فاز بجائزة رجل المباراة أمام فرنسا: «لقد جئت إلى هنا للفوز بجميع المباريات حتى أتمكن من الاحتفال بعيد ميلادي في ألمانيا مع جميع زملائي بالمنتخب». وأضاف: «أنا سعيد لأننا وصلنا إلى النهائي، لكننا لم نقم بعد بالشيء الأكثر أهمية، وهو الفوز باللقب، الحلم يقترب من التحقق».
ويسعى منتخب إسبانيا للانفراد بالرقم القياسي كأكثر المنتخبات تتويجا بأمم أوروبا، الذي يتقاسمه حاليا مع نظيره الألماني (3 مرات).
وتحدث النجم الصاعد عن هدفه في فرنسا، قائلا: «كنت أهدف للزاوية العليا بالضبط حين أطلقت تسديدتي وهو ما جعلني أشعر بسعادة بالغة. أحاول ألا أفكر كثيرا فيما يحدث. أرغب فقط في الاستمتاع بنفسي ومساعدة الفريق».
وعمّا إذا كان هدفه هو الأجمل في الدورة، قال اللاعب المغربي الجذور: «لا أعرف، لكن بالنسبة لي هو الهدف الأكثر تميّزاً. عندما تخرج الكرة من قدمك بهذا النوع من التسديدات، تعرف إلى أين ستذهب». وكان الفرنسي أدريان رابيو قد استفز جمال بأن عليه عمل المستحيل في الملعب إذا أراد التغلّب على فرنسا، ولسخرية القدر، راوغه جمال وسجّل في الزاوية البعيدة من خارج المنطقة، واحتفل قائلاً أمام الكاميرا: «تكلّم الآن، تكلّم»، لكنه نفى أن تكون هذه الكلمات موجّهة للاعب الوسط الفرنسي موضحا: «لا ألتفت لما يُقال في الخارج. أعتقد أن القدر يضع الجميع في مكانه».
ويرى المراقبون أن جمال خريج أكاديمية «لا ماسيا» الشهيرة في برشلونة يسير على خطى قدوته الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي سجل أيضاً هدفاً في نفس الليلة ساهم ببلوغ منتخب بلاده نهائي بطولة كوبا أميركا حيث يخوض «المعارك الأخيرة» في مسيرة أسطورية.
وقبل تسجيل جمال هدفه الرائع في مرمى فرنسا، انتشرت صورة لميسي يحمل طفلاً رضيعاً خلال حصة تصويرية عام 2007 في ملعب كامب نو، عندما كان يضيء في بداية مسيرته سماء برشلونة بموهبته النادرة.
لم يكن هذا الطفل سوى لامين جمال، وقد أعاد والده منير نشر الصورة الأسبوع الماضي على «إنستغرام» معلّقاً عليها: «بداية أسطورتَين».
وعلى غرار ميسي القادم إلى برشلونة بعمر الثالثة عشرة، انضمّ جمال إلى أكاديمية لا ماسيا الشهيرة منذ نعومة أظفاره، وبدأ في تحطيم الأرقام القياسية نظراً لتفجّر موهبته في سن صغيرة. وانهالت المقارنات بين جمال (178 سم) وقدوته ميسي (170 سم) القادرَين على مراوغة الخصوم دون مجهود كبير، لكن الأوّل رفض المقارنة قائلا: «ميسي أفضل لاعب في التاريخ والمقارنة معه لا تُصدّق. لا يمكن تشبيهه بأي لاعب آخر، خصوصاً أنا الذي بدأت مسيرتي للتو. أتمنى تحقيق نصف إنجازاته».
وكتبت صحيفة «سبورت» الكاتالونية: «دعونا لا نخف من مقارنته بليونيل ميسي… لا يزال على بعد سنوات ضوئية (من ميسي) وصحيح أنه لا يزال في مهده، لكن بعمر السادسة عشرة تشير موهبته إلى أنه سيكون من العظماء».
من جهتها، كتبت صحيفة «أس» بالفرنسية عن اللاعب الذي أكمل امتحاناته المدرسية خلال كأس أوروبا: «مساء الخير… اسمي لامين جمال وسأكتب التاريخ».
تفوق جمال
على السويسري يان فونلانثين
والأسطورة بيليه كأصغر مسجل
بحسب وكالة «أوبتا» للإحصائيات، فإن اللاعبَين الوحيدين في آخر مونديال وكأس أوروبا الحالية اللذين صنعا أكثر من 15 فرصة و15 تسديدة و15 مراوغة، هما ميسي بطل العالم 2022 مع الأرجنتين وجمال الذي تأهلت بلاده إلى نهائي يورو 2024 الأحد المقبل في برلين.
وطلب جمال، المولود في 13 يوليو (تموز) 2007 لوالد مغربي وأم من غينيا الاستوائية، من والدته عدم تقديم أي هدية في عيد ميلاده، موضحاً: «مجرّد الوجود في النهائي والفوز به هو الهدية الكبرى».
تتويج سيكون الأوّل مع منتخب بلاده، بعد إحرازه لقب الدوري الإسباني مع برشلونة في 2023 عندما شارك وهو في الخامسة عشرة من عمره، ما يضعه على خريطة الواعدين القادرين على رسم مسيرة زاخرة.
ويشعر دي لا فوينتي مدرب إسبانيا، ورفاقه بالسعادة لوجود جمال مع فريقهم الذي بات أول منتخب يفوز بست مباريات متتالية في نسخة واحدة بأمم أوروبا، وقال: «لقد رأينا عبقرياً… إنه لاعب يجب أن نعتني به، قدراته تفوق سنه الصغيرة، أنا سعيد لوجوده في فريقنا وآمل أن نتمكن من الاستمتاع به لسنوات قادمة. ينبغي علينا أن نساعده من خلال إبقاء قدميه على الأرض وتطويره بأفضل طريقة».
وأشاد به زميله لاعب الوسط رودري قائلا: «أنا فخور جداً بلامين. الناس ستذكر الظهور الرائع لهذا الفتى البالغ 16 عاماً. ينتظره مستقبل رائع، هنأته لالتزامه الهجومي والدفاعي، مباراته الكاملة تقريباً والمساعدة المستمرّة التي قدّمها… تُرفع له القبعة حقاً».
أما ناتشو، مدافع المنتخب الإسباني، فقال: «هدف لامين كان مذهلا بالنسبة لشاب يبلغ 16 عاما فقط»، واتفق معه أولمو، مسجل هدف الفوز الثاني، حيث قال: «سجل لامين هدفا لا يصدق».
وعنه قال النجم الألماني السابق لوتار ماتيوس: «مارادونا ثم ميسي والآن جمال»، فيما قال الهداف التاريخي للمنتخب الإسباني دافيد فيا: «لامين لاعب فريد… لا حدود لقدراته».
مدّد برشلونة عقد جمال حتى 2026 مع بند جزائي بقيمة مليار يورو، في ظل تقارير عن سعي صفوة الأندية الأوروبية لضمّه ومنحه الرقم 10 الشهير.
وأحرز المنتخب الإسباني خلال مشواره بالبطولة 13 هدفا، وهو أكبر عدد بين المنتخبات المشاركة، بينما استقبلت شباكه ثلاثة أهداف فقط.
وشدد دي لا فوينتي: «يتعين علي أن أحافظ على ثقتي في هذه المجموعة من اللاعبين. إنهم يعملون دائما من أجل الصالح العام. إنهم كرماء للغاية في معدل عملهم. إنها مجرد علامة أخرى على أن هذا فريق لديه الشغف».
وكشف المدرب الإسباني: «أنا ممتن لكوني قادرا على قيادة 26 عبقريا على أرض الملعب. نحن محظوظون لأن لدينا فريقا إسبانيا شابا للغاية يتمتع بحضور ومستقبل كبيرين».
وحذر دي لا فوينتي منافسهم المقبل بالنهائي قائلا: «لم نصل إلى قمة مستوانا بعد، متأكد من أن النهائي سيكون مختلفا تماما أمام منافس سيطالبنا بالأفضل. أعلم أن لاعبي فريقي يمكنهم تقديم المزيد، وأنا متأكد من أننا سنفعل ذلك. فكرتنا عن كرة القدم مبنية على ثقتنا بأنفسنا. نريد أن نستغل نقاط قوتنا».
Share this content:
اكتشاف المزيد من صحيفة باتسر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.