تأتي اللقاءات التي عقدها الوفد الفرنسي برئاسة المدير العام للشؤون السياسية والأمنية في وزارة الخارجية، فريدريك موندولي، مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية النيابية النائب فادي علامة، بالإنابة عن رئيس البرلمان نبيه بري، ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، في حضور مدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي، استكمالاً للمحادثات التي أجراها مدير المخابرات الفرنسية السفير السابق برنار إيميه، سعياً وراء تطبيق القرار الدولي 1701 لقطع الطريق على تمدد الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل في جنوب لبنان.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر لبنانية رسمية أن الوفد الفرنسي المؤلف من وزارتي الخارجية والدفاع حضر إلى بيروت قادماً من تل أبيب، وفي جعبته بند وحيد يتعلق باستعداده القيام بما هو مطلوب منه للتوصّل إلى آلية لتطبيق القرار 1701 لاستيعاب التأزم العسكري على الحدود في ضوء ما سمعه من المسؤولين في إسرائيل، ومن بينهم وزير دفاعها يواف غالانت، بأنه سيعيد «حزب الله» إلى ما وراء نهر الليطاني عبر تسوية دولية استناداً لما نص عليه القرار، وفي حال أن التسوية لم تسمح بذلك سيتحرك عسكرياً لإبعاده عن الحدود.
ولفتت المصادر اللبنانية إلى أن الوفد لم يحمل معه إنذاراً إسرائيلياً للبنان، لكنه توقف أمام التهديدات التي سمعها من المسؤولين الإسرائيليين الذين التقاهم، والتي تنطوي على تحذيرات للبنان من العيار الثقيل، ما اضطره للمجيء إلى بيروت لنزع فتيل التفجير على نطاق واسع، وبالتالي لقطع الطريق على تل أبيب ومنعها من القيام بأعمال انتقامية على غرار ما يحصل الآن في قطاع غزة.
ودعا الوفد الفرنسي للتحسُّب لما قد تُقدم عليه إسرائيل، خصوصاً أنها تربط عودة المستوطنين إلى المستوطنات التي نزحوا منها في شمال اسرائيل، بإخراج قوة «الرضوان» التابعة لـ«حزب الله» من منطقة جنوب الليطاني، التي يفرض القرار الدولي رقم 1701 أن تكون خاضعة لسيطرة الجيش اللبناني بمؤازرة القوات الدولية «يونيفيل».
كما أن إسرائيل تخشى من عودة المستوطنين الآن في ظل انتشار قوة «الرضوان» في جنوب الليطاني، لئلا يصيبهم ما أصاب المستوطنين في غلاف قطاع غزة بعد اجتياحه من قبل «حماس»، مع أن أكثر من مسؤول لبناني أكد أمام الوفد الفرنسي أن الوضع المتوتر على الحدود مع إسرائيل يختلف عن الوضع السائد في قطاع غزة، الذي كان وراء اجتياح «حماس» للمستوطنات.
وبكلام آخر، بحسب المصادر، فإن إسرائيل ما زالت تحتل أجزاء من الأراضي اللبنانية، كانت وراء انطلاق المقاومة لتحريرها، طالما أن تل أبيب لم تلتزم بتطبيق القرار 1701، بخلاف الوضع في غزة الناجم عن مصادرتها الأراضي الفلسطينية وطردها أصحاب الأرض.
وكشفت أن الوفد الفرنسي أكد وجود تنسيق بين باريس وواشنطن التي تنأى بنفسها عن التحرك، وتفضّل التريُّث إلى حين جلاء الوضع على جبهة غزة، ما يؤخر عودة مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتين إلى بيروت، بعدما أبدى استعداده للتوسط بين لبنان وإسرائيل لتحديد الحدود بين البلدين وصولاً إلى مزارع شبعا المحتلة.
ورأت أن واشنطن لن تتحرك ما لم تنضج الظروف السياسية التي ما زالت عالقة، على ما سيؤول إليه الوضع على جبهة غزة، وقالت إن الوفد الفرنسي طرح مجموعة من الأفكار لعلها تشكل الإطار العام لوضع آلية لتطبيق القرار 1701، وعلى قاعدة عدم المس به أو إخضاعه لأي تعديل، وهذا يشكل نقطة التقاء بين باريس وواشنطن والأمم المتحدة بلسان منسقتها الخاصة في لبنان، يوانا فرونتسكا.
وأكدت أن باريس تدعو لاعتماد السبل الدبلوماسية لتطبيق القرار 1701، وقالت إن الوفد الفرنسي حصر اهتمامه بتهيئة الظروف لتطبيقه، من دون أن يدخل في مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون أو انتخاب رئيس للجمهورية، باعتبار أن هذين البندين هما من اختصاص الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان.
وشددت المصادر نفسها نقلاً عن الوفد الفرنسي أن لبنان يمر بوضع دقيق، وهذا يتطلب تحاشي الانجرار لفتح الجبهة مع إسرائيل، وأن الضرورة تتطلب الانفتاح على الجهود الرامية لتطبيق القرار 1701، مع أن بعض الذين التقوا الوفد نصحوه بتوسيع مروحة اتصالاته لتشمل واشنطن وطهران لما لهما من دور في المنطقة ولبنان.
ونقلت المصادر عن الوفد الفرنسي دعوته لبنان لإيجاد المناخ السياسي المؤاتي لتطبيق القرار 1701، ولم تؤكد ما إذا كان الوفد التقى «حزب الله» الذي يقيم علاقة مستدامة مع باريس، برغم أنه سجّل عندما التقى لودريان انتقاده انحياز الرئيس إيمانويل ماكرون لصالح إسرائيل.
حتى إن الوفد الفرنسي لم يحمل معه أي ضمانات يُفهم منها أن الوضع على الجبهة الشمالية لإسرائيل سيبقى تحت السيطرة، مشدداً في نفس الوقت على أن الحل الدبلوماسي يريح لبنان من جهة، ويؤدي إلى منع إسرائيل من الذهاب بعيداً في تصعيد موقفها، وصولاً إلى خروجه عن السيطرة.
وأبدى الوفد الفرنسي تفهُّماً لدعم الجيش اللبناني وضرورة تقويته، وتوقف أمام مواصلة إسرائيل خرق الأجواء اللبنانية واحتفاظها بمساحات من الأراضي اللبنانية، وهذا ما يكمن وراء مطالبته بالضغط على إسرائيل للانسحاب من عدد من النقاط داخل الأراضي اللبنانية للعودة إلى تحديد الحدود على أساس اتفاقية الهدنة بين البلدين.
لذلك، تعتقد المصادر اللبنانية الرسمية أن تطبيق القرار 1701 سيبقى عالقاً طالما أن واشنطن ليست في وارد التدخل، وتتعاطى مع الوضع على الجبهة الشمالية من منظار الحرب في غزة، وإن كانت تسعى لضبط إيقاع المواجهة جنوباً، وهذا ما يفسر استخدامها الفيتو الذي حال دون صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يقضي بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، لأسباب إنسانية.
Share this content:
اكتشاف المزيد من صحيفة باتسر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.