قبل شهر، عُرض فيلم «سيفيل وور» أو «الحرب الأهلية» في دور العرض السينمائية، وقارن بعض النقاد بين الانقسام العميق الحالي في الولايات المتحدة وبين الانقسام الذي صوره الفيلم. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»: «لقد واجهنا العدو؛ وهو أنفسنا مجدداً»، في حين وصفت مجلة «ذا نيويوركر» الفيلم بأنه «قصة أخبار سيئة».

ويمكن رفض هذه الآراء بوصفها مبالغة من النخبة في الساحل الشرقي البعيد بدرجة كبيرة عن قلب أميركا وما تصفها النخب الساحلية بـالـ«ولايات غير المهمة».

وقال الكاتب الأميركي بيتر سوسيو، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إن الفيلم أثار مقارنات مع الوضع الحالي للولايات المتحدة، حيث تتجه البلاد حالياً إلى معركة انتخابية متجددة بين الرئيس جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب، وهي ثاني معركة متجددة في التاريخ الأميركي بين رجلين حكما البيت الأبيض (لم يكن المكتب البيضاوي موجوداً في المرة الأولى).

وكانت المرة الأولى في عام 1892، عندما تحدى الرئيس السابق آنذاك جروفر كليفلاند الرئيس بنيامين هاريسون الذي كان يسعى لإعادة انتخابه لولاية جديدة.

وقد كانت الدولة، التي شهدت حرباً أهلية حقيقية كبيرة للغاية قبل ذلك بثلاثة عقود، منقسمة آنذاك، ولكن بطريقة لا تقارن بالانقسام الذي تعاني منه حالياً.

وقال سوسيو، إنه على الرغم من الانقسام العميق، فإنه لا يزال من غير المرجح أن تشهد البلاد حرباً أهلية، ولكن يمكن أن تصبح الأمور سيئة. لقد نجح الرئيس بايدن في عزل أنصار ترمب، بينما ساعدت المشكلات القانونية التي عانى منها الرئيس السابق في تأييد كثيرين له، فهم يعتقدون أنه يتعرض للاضطهاد بشكل ظالم.

وتساءل سوسيو: إلى أي مدى يمكن أن تسوء الأمور؟ وقال إن كثيراً من الأمور يعتمد على الحالة التي ستكون الدولة قد وصلت إليها بعد أشهر قليلة. وقال ترمب في أبريل (نيسان) الماضي، في مقابلة مع مجلة «تايم»، إنه لا يتوقع حدوث أعمال عنف؛ لأنه يتوقع أن يفوز في الانتخابات.

وقال ترمب للمجلة بشكل غير رسمي: «لا أعتقد أن هذا يمكن أن يحدث. أعتقد أننا سنفوز»، ولكن عند سؤاله عما سيحدث إذا خسر (ثانية)، كان ترمب أكثر صراحة، وقال: «إذا لم نفز، فهذا يعتمد… الأمر يعتمد دائماً على نزاهة أي انتخابات».

ومع ذلك، فإن ترمب ربما ينسى أيضاً حقيقة أن فوزه في انتخابات عام 2016 قوبل باحتجاجات حاشدة، تحول بعضها إلى احتجاجات عنيفة. ربما لن تكون هناك حرب أهلية، ولكن للأسف يمكن أن نتوقع بعض الغضب، وربما حتى بعض العنف في يوم الانتخابات، بغض النظر عن الفائز.

ويرى سوسيو أن الدولة ببساطة منقسمة للغاية ولا يمكن توحيدها، و أن الحملتين تقومان فقط بتأجيج الانقسام. كما أن هناك عوامل خارجية تزيد أيضاً من حالة الانقسام التي تعاني منها الولايات المتحدة مثل، الحرب في غزة، والصراع في أوكرانيا، ودعم الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ناهيك بحملات التشويه التي يشنها الخصوم… كل هذه الأمور تزيد الانقسام.

وتساءل سوسيو عما إذا كان الحزب الجمهوري يمكن أن يتحمل خسارة ترمب، قائلاً إن الأحزاب السياسية تستطيع تحمل الخسائر؛ وذلك ببساطة لأن هذا جزء من النظام السياسي. ولا يمكن لأي حزب – على الأقل في نظام يتكون من حزبين – أن يظل في السلطة إلى الأبد، كما يحب البعض أن يحدث هذا. لقد خسر الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية 5 مرات متتالية خلال عهد روزفيلت – ترومان، وكما قال موقع «ذا هيل» فإن هذه الأعوام الـ16 التي قضاها بعيداً عن السلطة أسهمت في تحول الحزب.

كما حدث الشيء نفسه في ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي عندما خسر الديمقراطيون 3 مرات خلال عهد ريغان – بوش. وعندما وصل بيل كلينتون إلى الرئاسة عام 1992، كان مختلفاً للغاية عن الديمقراطيين الذين تولوا الرئاسة قبله.

ويقول سوسيو إنه من المهم أيضاً تذكر أن معظم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان المعتاد تولي حزب واحد الرئاسة لمدة 8 أعوام تليها 8 أعوام للحزب الثاني؛ باستثناء جيمي كارتر، ثم ريغان – بوش.

وقد جاء جورج دبليو بوش بعد كلينتون، ثم جاء بعده باراك أوباما. وكان من المتوقع أن تتواصل هذه القاعدة السائدة بتولي ترمب السلطة لمدة 8 أعوام؛ إلا إن جائحة «كوفيد19» قلبت الأمور رأساً على عقب قبل 4 أعوام. ولكن ينبغي أيضاً ملاحظة أن ترمب لم يكن حقاً يقود الحزب الجمهوري مطلقاً، ليس كما كان رونالد ريغان يقوده وحتى إلى مدى قيادة جورج دبليو بوش للحزب. وكما أشار موقع «بوليتكو» فإن انتخابات 2018 و2020، كانت مخيبة لآمال الجمهوريين؛ الأمر الذي يثير التساؤل بشأن ما الذي يمتلكه ترمب للسيطرة على الحزب.

ويرى سوسيو أن ترمب لا يزال شخصية مهيمنة بفضل قاعدته القوية. لقد كانت قوية بما يكفي لكي ينجح في تأمين الترشح لانتخابات عام 2016، ولشق طريقه بصعوبة نحو الفوز في عام 2016 على الرغم من أنه خسر التصويت الشعبي.

ولم يتمكن من تحويل هذا إلى فوز في 2020. وفي حين أن المنافسة محتدمة في استطلاعات الرأي الحالية، فربما لا يتمكن من تحقيق النصر. إن خسارة الانتخابات في 2024، لن تكون بمثابة حكم بالموت على الحزب الجمهوري وربما حتى لحركة «ماغا (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)»؛ وذلك ببساطة لأن ترمب لن يقبل بالنتيجة.

وقال ترمب لمجلة «تايم» إن الأمر يعتمد دائماً على نزاهة أي انتخابات.

واختتم الكاتب سوسيو تحليله بالقول إنه في حالة تحقيق النصر، فسيؤكد ترمب أن الانتخابات كانت نزيهة وحرة (ولكن من المرجح أن يطرح أن الجانب الآخر كان يغش). وفي حال الهزيمة، فمن المؤكد أنه سيفعل العكس، وسيؤكد أن الهزيمة كانت نتيجة للتدخل في الانتخابات ويدلى بمزاعم أخرى مشكوك فيها، ولكنه ليس أول شخص لا يقبل بالهزيمة. فقد أنكر مرشحون خاسرون من جانبي الطيف السياسي، مثل هيلاري كلينتون وستاسي أبرامز وكاري لايك… وآخرون، الهزيمة، ليصبح الأمر كأنه الوضع الطبيعي الجديد، وهذا يسهم في استمرار انقسام الأميركيين.

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *