مطالبات عالمية متكررة بتسهيل تدفق المساعدات إلى غزة لا تحظى باستجابة إسرائيلية
تتصاعد وتيرة المطالبات الدولية لإسرائيل بضرورة تسهيل نفاذ المساعدات الإغاثية برياً عبر معبر رفح إلى قطاع غزة، الذي بات يواجه شبح المجاعة، وفق تقارير أممية، دون أن تلقى تلك الدعوات والمطالبات استجابة إسرائيلية كافية.
وبينما انضمت محكمة العدل الدولية مجدداً إلى تلك المطالبات الدولية، حيث دعت المحكمة إسرائيل إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، توقع خبراء، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ألا تستجيب إسرائيل بشكل كافٍ لتلك الدعوات، في ظل إصرارها على استخدام «التجويع» سلاحاً للضغط على الفلسطينيين. وأشار الخبراء إلى استمرار «تعنت» تل أبيب في عرقلة نفاذ الإغاثات للقطاع عبر رفح.
وقالت محكمة العدل الدولية، في قرار جديد، الخميس، بناء على طلب من جنوب أفريقيا، إنه على إسرائيل ضمان عدم ارتكاب قواتها أي أعمال تشكل انتهاكاً لحقوق الفلسطينيين في غزة. وأشارت المحكمة إلى تفاقم الظروف المعيشية التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، ولا سيما انتشار المجاعة، مطالبة إسرائيل بتقديم تقرير إليها بشأن جميع التدابير المتخَذة لتنفيذ قراراتها الجديدة خلال شهر واحد.
عرقلة دخول المساعدات
قرار المحكمة مثّل حلقة إضافية في سلسلة المطالبات التي أعلنتها دول عدة حول العالم، بعضها من حلفاء إسرائيل، إضافة إلى منظمات إنسانية دولية، دعت جميعاً إسرائيل إلى فتح المعابر، والكف عن عرقلة دخول المساعدات البرية، وتسهيل توزيع المساعدات في مختلف أنحاء القطاع، الذي يخضع لحصار إسرائيلي خانق منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتقول الأمم المتحدة إن المجاعة «بات يصعب تلافيها» في القطاع، البالغ عدد سكانه 2.4 مليون نسمة معظمهم نازحون ويعيشون منذ نحو ستة أشهر أهوال الحرب والحصار اللذين أسفرا عن تدمير البنية التحتية، وحرمانهم من الغذاء والماء والوقود والكهرباء.
ودعا السكرتير العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي زار معبر رفح مرتين خلال الأشهر الماضية، إسرائيل، إلى «عدم عرقلة دخول المساعدات». وانتقد، في مؤتمر صحافي، خلال زيارته الأخيرة للجانب المصري من المعبر، الأسبوع الماضي، عدم تجاوب إسرائيل بقوله: «إن الحكومة الإسرائيلية لا تفعل عادة ما أطلبه منها».
ومنذ اندلاع الحرب لا تسمح إسرائيل، التي تسيطر على المعابر، سوى بدخول عدد محدود من شاحنات المساعدة، التي يدخل معظمها عبر معبر رفح المصري، وتُخضعها السلطات الإسرائيلية لعمليات تفتيش مطولة كانت مثار انتقاد متكرر من جانب القاهرة، التي دعت، في أكثر من مناسبة، إلى «إدخال المساعدات بكميات كافية وبوتيرة منتظمة».
وتمتلك إسرائيل 6 معابر برية مع غزة، أعلنت إغلاقها جميعاً وبشكل فوري عقب هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، في حين لم تستجب لفتح معبر كرم أبو سالم، جنوب القطاع، والمخصص لدخول شاحنات البضائع؛ إلا بشكل محدود، قبل أن يتعرض للإغلاق بشكل متكرر.
وتقول إسرائيل إنها «سهّلت دخول أكثر من 350 شاحنة مساعدات إلى شمال غزة، خلال الشهر الماضي»، وتحرص على أن تُظهر للعالم أنها تسمح بدخول مزيد من المساعدات إلى غزة، لكنها تقول إنها «ليست مسؤولة عن حجم المساعدات التي تدخل فعلياً، أو عن قدرة الوكالات على توزيعها على الأرض».
وسبق أن حمّل فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، في يناير (كانون الثاني) الماضي، مصر المسؤولية عن عدم دخول المساعدات قطاع غزة، وهو ما استنكرته القاهرة، وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً على أن معبر رفح «مفتوح منذ بداية الحرب على مدار 24 ساعة ولم يغلق مطلقاً».
مماطلة إسرائيلية
وتباينت تقديرات الخبراء لمدى استجابة إسرائيل للمطالبات الدولية، وأحدثُها قرار محكمة العدل الدولية، ففي حين رأى سفير فلسطين الأسبق لدى مصر، بركات الفرا، أن سلطات الاحتلال «قد تستجيب جزئياً وتلجأ إلى تحسين دخول المساعدات لتفادي مزيد من الحرج الدولي»، أشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، إلى أن «إسرائيل ستواصل مماطلاتها وتعنتها بعرقلة دخول المساعدات وتحدي الرغبة الدولية في هذا الصدد».
وأوضح الفرا، لـ«الشرق الأوسط»، أن إسرائيل بلغت «مرحلة غير مسبوقة من الغرور»، لكنها، في الوقت نفسه، قد تسعى لتخفيف حدة الحرج الدولي الذي تتسبب فيه إجراءاتها «القمعية والإبادية» بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر «تحسين نسبي» لمعدلات دخول المساعدات؛ تجنباً للتعرض لمزيد من الإحراج والامتعاض الدولي جراء استمرار التعنت في عرقلة دخول المساعدات القطاع.
من جانبه، قال هريدي، لـ«الشرق الأوسط»، إن إسرائيل سوف تستمر في عرقلة دخول المساعدات، وستواصل النهج نفسه الذي وصفه بـ«المراوغ»، إذ لن تلجأ إلى منع دخول المساعدات كلية، لكنها في الوقت نفسه ستحول دون دخول تلك المساعدات، وخصوصاً عبر معبريْ رفح وكرم أبو سالم بكميات كافية وسرعة معقولة لتلبية احتياجات القطاع، بل إنه توقع أن تستخدم سلطات الاحتلال الهجوم المتوقع على رفح الفلسطينية لإحداث تباطؤ كبير، وعرقلة لدخول المساعدات البرية.
وحول عدم استجابة إسرائيل للمطالبات الدولية، أو حتى القرارات الصادرة من مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية بشأن تيسير دخول المساعدات الإغاثية قطاع غزة، أوضح الفرا أن حكومة نتنياهو «بلغت حداً غير مسبوق من الغرور والرغبة في الانتقام من الفلسطينيين»، لافتاً إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية «وصلت إلى مستوى خطير من الإفلات من المسؤولية القانونية الدولية». في حين تحدّث هريدي عن غياب أدوات الضغط الحقيقية التي تُجبر إسرائيل على الانصياع للالتزامات الدولية والإنسانية.
وتبنّى مجلس الأمن الدولي، في ديسمبر (كانون الأول) الماضين قراراً يطالب بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء قطاع غزة، وتعيين منسق لتسليم هذه المساعدات. ورغم ذلك لم تشهد آلية دخول المساعدات تحسناً يُذكر، في حين لجأت دول عربية وأجنبية إلى إنزال المساعدات جواً للتغلب على العراقيل الإسرائيلية أمام وصول المساعدات برياً، وخصوصاً إلى شمال غزة.
وتزداد المخاوف والتحذيرات الدولية من إقدام إسرائيل على اجتياح بري لمدينة رفح التي يتكدس فيها نحو 1.5 مليون فلسطيني نزح معظمهم إلى المدينة الملاصقة للحدود المصرية نتيجة استمرار الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لجميع مناطق القطاع على مدى الأشهر الستة الماضية.
وتقول وكالات الإغاثة إن القطاع يحتاج إلى 500 شاحنة يومياً، وهو المعدل الذي كان يدخل قبل اندلاع الحرب الراهنة، في حين شكا عدد من المنظمات الأممية؛ ومنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، من منع قوات الاحتلال أطقمها من توزيع المساعدات، وخصوصاً في مناطق شمال القطاع، كما قصفت القوات الإسرائيلية، أكثر من مرة، فلسطينيين كانوا يتجمعون لتلقي مساعدات غذائية، ما أدى لسقوط عشرات القتلى والمصابين.
وأعلن المفوض العام لوكالة «الأونروا»، فيليب لازاريني، الأسبوع الماضي، رفض الحكومة الإسرائيلية دخوله قطاع غزة لتفقُّد الوضع بمدينة رفح، كما كشف أن إسرائيل أبلغتهم بأنها «لن توافق بعد الآن على إرسال قوافل غذائية إلى شمال قطاع غزة». وطالب بـ«رفع هذه القيود».
Share this content:
اكتشاف المزيد من صحيفة باتسر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.