اللاجئون الأفغان يتدفقون إلى خارج باكستان وسط توتر مع حكومة «طالبان»
لطالما خشي الجد قدوم هذا اليوم، وعلى مدار العقود الأربعة التي أعقبت فراره خلال الاجتياح السوفياتي لأفغانستان، كان الرجل، ويدعى نجم الدين تورجان، يعيش بشكل غير قانوني في باكستان.
وبالفعل، تزوج هناك وأنجب أطفالاً، وشاهدهم وهم يرزقون بأطفال. ومع ذلك، ظل يطارده طيلة هذا الوقت شعور بعدم الارتياح بسبب العيش على أرض غير أرضه».
هذا الشهر، انتهى الأمر، مع إعلان الحكومة الباكستانية المفاجئ أن على جميع الأجانب الذين يعيشون في البلاد دون وثائق، الرحيل بحلول الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» الاثنين. وخوفاً من الاعتقال أو السجن، سارعت عائلة تورجان بتجهيز كل شيء: ملابسهم وأوانيهم والعوارض الخشبية من السقف وإطارات نوافذهم المعدنية وأبوابهم الصدئة.
عليَّ أن أبدأ مرة أخرى من الصفر
وبعد تفكيك المكان الذي كانوا يعدونه منزلهم لثلاثة أجيال، استقلوا شاحنة وانضموا إلى طوفان من المهاجرين الأفغان المتجهين إلى الحدود.
وقال تورجان (63 عاماً) بينما كانت الشاحنة تقف خلفه على الحدود: «لقد بذلت قصارى جهدي خلال هذه السنوات الأربعين لبناء حياة. الأمر جد صعب. والآن، عليَّ أن أبدأ مرة أخرى من الصفر».
ويُعد تورجان واحداً من أكثر من 70 ألف أفغاني عادوا من باكستان خلال الأسابيع الأخيرة، تبعاً لما أفادته السلطات الباكستانية. وسبق أن أعلنت حكومة إسلام آباد أن الأول من نوفمبر 2023 يعد موعداً نهائياً لمغادرة البلاد أو مواجهة الطرد القسري، ما أدى تفاقم توتر العلاقات مع حكومة «طالبان» الأفغانية التي قالت إن التهديد بإجبار المهاجرين الأفغان على الرحيل «غير مقبول».
عداء متزايد بين إسلام آباد وسلطات «طالبان»
ويعد أمر الترحيل الذي يُنظر إليه، إلى حد بعيد، باعتباره استهدافاً للمهاجرين الأفغان، علامة على العداء المتزايد بين الحكومة الباكستانية وسلطات «طالبان» في أفغانستان، حول المسلحين الذين ينشطون بكلا البلدين، حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» الاثنين.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تعرض 1.7 مليون أفغاني يعيشون على نحو غير قانوني داخل باكستان لضغوط متزايدة للمغادرة، طبقاً لما ذكرته جماعات حقوق الإنسان وعدد من المهاجرين. فجأة، شرع أصحاب العقارات في طرد المستأجرين الأفغان، خشية التعرض لغرامات كبيرة إذا لم يفعلوا ذلك. كما طرد أصحاب العمل العمال الأفغان غير المسجلين. وداهمت الشرطة الأحياء الشعبية التي يسكنها الأفغان، واعتقلت من لا يملكون أوراقاً ثبوتية.
70 ألف أفغاني غادروا في الأسابيع الأخيرة
واحتشدت عائلات عند معبر تورخام الحدودي شرق أفغانستان، من بين 70 ألف أفغاني غادروا باكستان في الأسابيع الأخيرة.
وأدانت جماعات معنية بحقوق الإنسان تصرفات باكستان، وأعربت عن قلقها من احتمال تعرض بعض الأفغان للاضطهاد داخل وطنهم، بسبب علاقاتهم السابقة مع معارضي «طالبان».
إلا أن المسؤولين الباكستانيين، من ناحيتهم، أصروا على هذه السياسة، وأعلنوا قريباً أنه لن يكون هناك تمديد للموعد النهائي. وبالفعل، أنشأت إسلام آباد كثيراً من مراكز الترحيل في جميع أنحاء البلاد، ما يشير إلى جدية الحكومة في إعادة الأفغان إلى وطنهم.
في هذا الصدد، أعلن سارفراز بوغتي، وزير الداخلية المؤقت للبلاد، الخميس، في مؤتمر صحافي في إسلام آباد: «بعد الأول من نوفمبر، لن يكون هناك أي حل وسط بخصوص المهاجرين المقيمين بالبلاد بشكل غير قانوني». وأضاف أن «أولئك الذين يغادرون البلاد طوعاً، سيواجهون صعوبات أقل من أولئك الذين تعتقلهم السلطات».
ومع اقتراب الموعد النهائي، واجه كثير من الأفغان ضرورة اتخاذ قرارات مدمرة حول ما إذا كانوا سيحاولون البقاء في بلد لم يعودوا فيه موضع ترحيب، أو العودة إلى بلد لم يعيشوا فيه منذ عقود.
وتدفق أولئك الذين اختاروا العودة باتجاه المعابر الحدودية في الأسابيع الأخيرة، ما تسبب في إرباك السلطات ومنظمات الإغاثة. وتشير التقديرات إلى أن نحو 4 آلاف أفغاني يعودون إلى وطنهم كل يوم، أي أكثر من 10 أضعاف العدد قبل الإعلان عن سياسة الترحيل، طبقاً لما أفادت به منظمات الإغاثة.
انتظار الفرج عند معبر تورخام
عند معبر تورخام في إقليم ننغرهار (منطقة جبلية على طول الحدود الأفغانية- الباكستانية)، تتدفق الشاحنات المتراكمة بممتلكات تعود لعقود من الزمن عبر الحدود كل يوم. وتبيت أسر كثيرة يعاني كثير من أبنائها من الجوع والإنهاك، داخل خيام مؤقتة في انتظار أن يجري تسجيلهم من قبل مجموعات الإغاثة التي تقدم لهم مساعدات مالية صغيرة. ويستمر انتظار البعض لساعات، وربما لأيام.
ويسعى كثيرون للحصول على الرعاية الطبية من وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة عند معبر تورخام. وقد تجاوزت الأعداد الضخمة قدرات السلطات ومنظمات الإغاثة.
من جهتها، سجلت الأرملة باراد بيبي وابنها وحيد الله أسماء أفراد أسرتهما المكونة من 7 أفراد، للحصول على المساعدة، الأسبوع الماضي، لدى وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة.
أما حميشا غول (48 عاماً)، فجلس على صندوق معدني بجوار أكوام من أكياس القطن المحشوة بملابس عائلته وأدوات الطبخ والكتب المدرسية الممزقة، بينما استلقت حفيدتاه الصغيرتان بفستانيهما الأخضرين المتطابقين والمغطيين بالغبار، على اثنين من الأكياس ودخلتا في نوم عميق. وجلس حفيده البالغ من العمر سنة واحدة بين ذراعي جدته، وهو يبكي.
وقالت الجدة زليخة (52 عاماً): «خذ الطفل، يدي تؤلمني، لا أستطيع أن أحمله». وبالفعل، سحبه غول وأجلسه في حجره. ودفن الصبي وجهه في صدر جده.
وهنا، أوضح أن حفيده «لم ينم على الإطلاق الليلة السابقة. لذلك، هو متعب للغاية».
وكانت عائلة غول قد غادرت أفغانستان قبل 8 سنوات تحت وطأة ضائقة مالية: كان ابنه، خان أفضل وفادار الذي كان يبلغ 15 عاماً في ذلك الوقت، يعول الأسرة بأكملها بأقل من 3 دولارات أسبوعياً، كان يكسبها من عمله في مصنع لصناعة الطوب.
وبعد أن انتقلت العائلة إلى مدينة تاكسيلا، بالقرب من إسلام آباد، العاصمة الباكستانية، حصل وفادار على 5 أضعاف ما كان يحصل عليه من العمل نفسه. إلا أنه هذا الشهر طلب منه رئيسه إما تقديم وثائق الهجرة القانونية وإما مغادرة المصنع. وعبر وفادار، البالغ الآن 23 عاماً، عن شعوره بالقلق حيال العثور على عمل في أفغانستان؛ حيث ارتفعت معدلات البطالة منذ انهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة.
وقال: «هناك مثل بشتوني يقول: إذا كان سريرك مملوكاً لشخص آخر، فإنه قادر على أخذه منك في منتصف الليل». وأضاف: «إنه بلدهم، لذا يمكنهم طردنا في أي وقت».
Share this content:
اكتشاف المزيد من صحيفة باتسر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.