انعكس تصاعد المعارك في جنوب لبنان بين «حزب الله» وإسرائيل منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واتساع نطاق الاشتباكات على حركة سكان المناطق الحدودية والقريبة منها، فمنهم من نزح، ومنهم من بقي، ومنهم من بات يتنقل حسب الأوضاع الأمنية.

أدى القصف الإسرائيلي إلى مقتل 17 مدنياً في جنوب لبنان كان آخرهم حسن منصور، مختار قرية الطيبة في قضاء مرجعيون، الذي قضى يوم الاثنين الماضي، وفقاً للوكالة الوطنية للإعلام. كما قُتل سابقاً ثلاثة صحافيين، حسب وكالة أنباء العالم العربي.

ونفَّذ «حزب الله» عدة عمليات عسكرية استهدفت مواقع عسكرية منها، حسب بيانات الحزب، مراكز تجمع جنود ونقاط استخبارات وآليات عسكرية وغيرها؛ في حين أعلن الجيش الإسرائيلي قصفه مناطق إطلاق صواريخ ومواقع تمركز مقاتلي الجماعة.

واندلعت مواجهات شبه يومية بين الجيش الإسرائيلي من ناحية وجماعة «حزب الله» اللبنانية وفصائل فلسطينية مسلحة في لبنان من ناحية أخرى، عبر الحدود بين البلدين منذ بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة في أعقاب هجوم مباغت شنته «حماس» والفصائل في السابع من أكتوبر الماضي.

* اعتياد الحرب

تتنقل ميساء عطا الله بين منطقتي مرجعيون والخيام، قادمةً من بيروت، لزيارة عائلتها والاطمئنان على أقاربها. وتقول لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن مناطق المواجهات جنوب لبنان لا تزال فيها عائلات، وإن بعض من نزحوا خلال الفترة الماضية بدأوا يعودون إلى منازلهم نظراً إلى ارتفاع تكلفة البقاء خارج بيوتهم، وفي غياب أفق واضح لنهاية المعارك في الجنوب.

كان نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، قد أكد أن جبهة الجنوب «ستبقى مفتوحة إسناداً لغزة في مواجهة العدوان الصهيوني عليها».

ونقلت قناة «المنار» التلفزيونية أمس، عنه قوله خلال تأبين ثلاثة من مقاتلي «حزب الله» لقوا حتفهم في الاشتباكات مع إسرائيل: «وتيرة العمليات العسكرية في جنوب لبنان يحددها الميدان، والأفضل للصهاينة ألّا يُجرّبوا حظهم بالتصعيد لأن الوضع سيكون أسوأ عليهم».

وتقول ميساء إنها تزور مناطق الجنوب باستمرار لوجود عائلتها بها ولنقل الأحداث هناك؛ مشيرة إلى أنها ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي ولا تعتمد على ما تسمعه من أخبار فحسب، «خصوصاً أن هناك قسماً من سكان بيروت يعيشون كأن لا حرب على الحدود الجنوبية».

وتابعت: «معظم العائلات في تلك المناطق تتنقل نهاراً وتتفادى النشاط ليلاً، على الرغم من أن القصف خلال اليوم لا يتوقف. وهم يختارون سلوك الطرق الأساسية وليست الفرعية والابتعاد عن النقاط الحدودية القريبة والأحراج».

وأضافت: «يوم الأحد الماضي حضرتُ القداس في الكنيسة وكانت مليئة بالناس فيما صوت القصف مسموع. ورغم قوة الصوت، لم يظهر أي تأثر على الكاهن والمصلين، حتى إنه لم يخرج أحد من الكنيسة».

وترى ميساء أن سكان الجنوب اعتادوا الحرب، وتقول: «أنا عشت حرب يوليو (تموز) 2006، وهناك من عاش تفاصيل أكثر سابقاً. الناس في حالة تعب بسبب تراجع أعمالهم وتوقف مدارسهم ونشاطهم، لكنهم يدركون معنى ألم الحرب، ولهذا يشعرون بأهل غزة لأنهم مرّوا بظروف مشابهة في حياتهم».

ودارت «حرب تموز 2006» بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» في مناطق مختلفة من لبنان، واستمرت 34 يوماً.

وتلفت ميساء إلى أن القصف الإسرائيلي الحالي يزداد ويتوسع، مضيفةً أنه كان مقتصراً في الأسابيع الأولى من الاشتباكات على المناطق المفتوحة على الحدود، لكنّ سير المعارك تبدَّل لاحقاً مع توسع نطاق القصف باستهداف البيوت والمدنيين في عمق الجنوب اللبناني وشن غارات جوية على الأحياء السكنية، كما حدث في مناطق بنت جبيل وحولة وعيترون.

* سكان يشكون «نوعاً من التجاهل»

زينب مرعي من قرية كفرا التابعة لقضاء بنت جبيل جنوباً، التي تبعد عن الحدود مسافة تقطعها السيارة في 25 دقيقة، ترى أن زيارتها قريتها في الفترة الحالية فيها مخاطرة نتيجة تعرض بعض المنازل لأضرار جراء القصف الإسرائيلي.

وتقول زينب لوكالة أنباء العالم العربي: «الناس يحاولون المساعدة خصوصاً القادمين من القرى البعيدة على خط المواجهة المباشرة، كونها الأكثر تضرراً، وتنوعت المساعدات بين فتح المنازل للعائلات والتبرع بالمعونات، لكنّ هناك جزءاً بسيطاً من الناس استغلوا الوضع برفع إيجارات البيوت في بعض المناطق الجبلية».

وتشير إلى أن هناك نوعاً من «التجاهل» لأخبار جنوب لبنان، وتضيف: «بعض المحطات اللبنانية لا تعطي أهمية لما يحدث جنوباً والمستغرَب أن الناس ترى أنْ لا حرب في لبنان، كأن الجنوب هو منطقة غير لبنانية».

وتمضي قائلة: «لبنان وفلسطين عاشا مرارة الحرب معاً في مراحل مختلفة، ونحن نرى أحوال اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، وحين نشاهد ما يحدث في غزة، نؤكد أننا لا نريد أن نترك إسرائيل تتصرف على هواها بأن تحتل أراضي ليست لها».

وعلى صعيد القصف المتبادَل، أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، أمس (الثلاثاء)، بسقوط صاروخ في مدرسة ياطر الرسمية في صور بجنوب البلاد دون انفجاره. وأشارت إلى أنه أصاب سيارة مديرة المدرسة بعد نزولها منها بدقائق، وأحدث أضراراً مادية رغم أنه لم ينفجر.

من جانبه، أعلن «حزب الله» في بيانات منفصلة أمس، استهداف عدة مواقع للجيش الإسرائيلي، من بينها ‌‏المالكية‏ في شمال إسرائيل المقابل للحدود اللبنانية، والعاصي وبياض بليدا وخربة ماعر وجل العلام والراهب وزرعيت، مشيراً إلى تحقيق «إصابات مباشرة».

* القرى الحدودية

على مسافة ستة كيلومترات من الحدود الجنوبية، تقع قرية رامية التي غادرها علي ماجد عيسى قبل شهرين لقربها من خطوط الاشتباك.

وقال عيسى لوكالة أنباء العالم العربي إن القرية خالية من السكان حالياً وإن الأوضاع الراهنة غير مستقرة. وتابع: «خرجنا من منزلنا لأول مرة في 8 أكتوبر وعُدْنا في مرحلة الهدنة، ثم خرجنا منها بعد عودة المعارك». وأضاف: «المعارك شكَّلت منحى سلبياً على الناس بتركهم أرزاقهم وبيوتهم ونمط حياتهم اليومي. في منطقتي لم يؤدِّ العدوان حتى الآن إلى الضرر، سواء على مستوى الأفراد أو البنية التحتية».

ومضى قائلاً: «كل شخص يؤمِّن احتياجاته حسب قدراته، والأحزاب الموجودة في المنطقة تسعى إلى تأمين ما يلزم».

وأشار في حديثه إلى أن أغلب الناس في قريته يعتمدون على زراعة التبغ، وقال: «استطاع السكان رغم العدوان أن يؤمّنوا بيع محصولهم لمركز إدارة التبغ التي عملت على تسهيل بيع المحصول مسبقاً لمساعدة المزارعين على توفير مبلغ يساعدهم على تأمين احتياجاتهم في ظل الظروف الحالية».

وأضاف: «لا يمكن للمدنيين التوجه إلى القرى في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر… ونحن توجهنا قبل الهدنة إلى القرية مرة واحدة لتأمين محصولنا الزراعي».

ولفت عيسى إلى خطورة الوضع في المنطقة قائلاً إن «تطور العدوان الإسرائيلي من القصف المدفعي إلى الغارات الحربية يشكل خطراً أكبر على البيوت المتلاصقة والمكتظة في المنطقة».

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *