لم تتوقع المخرجة اللبنانية داليا نمليش فوز فيلمها «بتتذكري» بجائزة «اليسر الذهبي» في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي»، لكن المفاجأة جاءت حين اختير أفضل فيلم روائي للأفلام القصيرة في المسابقة الرسمية.

تدور أحداث «بتتذكري» في إطار إنساني بين زوجين عجوزين، يتحاوران معاً بموضوعات عدة، على الرغم من إصابة الزوج بمرض الباركنسون وبدايات ألزهايمر. هو شريط سينمائي عن رحلة بين الماضي والحاضر في عقل كلّ منهما، اقتبستها نمليش من واقع جدَّيها. يلعب بطولة الفيلم النجوم سهام حداد، وزافين بعقليني، وإيتيان عسال، وتمارا خوري، ودانا ميخائيل. وهو من إنتاج الفرنسية مارين فايان من خلال شركتها «ديوبيريز فيلمز»، والمنتج المصري محمد تيمور من خلال شركته «كايوس فيلمز».

تعبر نمليش عن سعادتها بهذا النجاح، ولا سيما أنها تطرقت في الفيلم إلى موضوع غير مستهلك: «أعتقد أن مقاربتي لزوجين عجوزين يمضيان معاً آخر أيام عمرهما الخريفي أسهم في لفت نظر لجنة التحكيم. فموضوع الشيخوخة قلّما تتناوله منطقتنا في أفلامها السينمائية. ويحمل هذا الكمّ من المشاعر والحقيقة لأني استلهمته من قصة حقيقية أبطالها هما جدّي وجدّتي».

تقول نمليش إن موضوع الفيلم حفزها على التفكير بتقديم أفلام أخرى من هذا النوع نابعة من قصص واقعية. وتؤكد أنه كان من الصعب التكهن بالنتيجة، ولا سيما أن المنافسة كانت ساخنة: «لقد شاركت في المسابقة أفلام عدة مصنوعة على المستوى المطلوب. حتى إني تناقشت مع منتجي العمل حول أفضلها من دون التركيز على فيلمي. وعندما أعلنت النتيجة تفاجأت كثيراً، وكانت سعادتي لا توصف».

ترى داليا نمليش أن هذه الجائزة عربون مكافأة لها ولفريق العمل الخاص بالفيلم: «لم أصنعه وحدي، بل ساعدني كثيرون لإنجازه، ولكونه فيلماً لبنانياً كانت فرحتي مضاعفة، فالجائزة شملتني مع بلدي».

تنقل نمليش في الفيلم حوارات شيقة تجري بين زوجين عجوزين يستعيدان شريط حياتهما ضمن موضوعات جمة: «حوارهما منوع، فيه السياسة والحب وذكريات حياتهما الزوجية، وكذلك عن الحرب اللبنانية، التي مرت عليهما بسلاسة، فهي لم تجرفهما يوماً بتياراتها. بل هي حوارات استنبطتها من جدّي وجدتي، بيد أنها ليست حقيقية بأكملها، بل مقتبسة عما سمعته منهما. فجدّي كان يعاني من مرض الباركنسون، وبدأ يفقد ذاكرته تدريجياً، لذا نقلت في فيلمي مرحلة حياة قلّما يفكر فيها الناس، لأنهم في بداية عمرهم ينشغلون بأمور كثيرة».

التقدم بالسن، وكل ما يرافقه من وحدة واشتياق دائم لدفء العائلة، شكّل موضوعات الفيلم الرئيسية. وهو ما دفع بداليا نمليش إلى الوقوف أمام هذا العمر والتفكير بما قد ينتظرنا خلاله: «كان الفيلم بمثابة نبع لاكتشاف مشاعري تجاه الشيخوخة، التي طالما خفتها كما كثيرين غيري، لكنني أصررت أن يحمل الفيلم لحظات جميلة أيضاً. وفي نهايته، أشدّد على ضرورة تقبل التقدم بالعمر لنستطيع العيش بسلام، وإلا دخلنا في دوامة نحن بغنى عنها».

علاقة مؤثرة بين زوجين تقدما في العمر، وحصلا على الوقت اللازم كي يستطيعا توديع أحدهما الآخر، تبرزها نمليش بأسلوبها السينمائي الواقعي: «يلمس مشاهد الفيلم مواقف إنسانية قد لا تخطر على باله وهو في سن الشباب. فهما في الفيلم يواجهان مصيرهما بهدوء ويتقبلانه في النهاية، فيمران بمراحل عدة تتراوح بين التفكير واليأس، وصولاً إلى الرضا. وربما لو فكرا بطريقة أخرى لاستطاعا مواجهة مصيرهما هذا بأسلوب آخر».

15 دقيقة من الوقت، هل كانت كافية لتعبّر فيها داليا نمليش عن مشاعرها تجاه موضوع مماثل؟ تجيب: «لم يكن يتحمل أي زيادة، وأعتقد أنه استطاع في هذا الوقت القصير أن يقول كل ما لديه».

سبق أن قدمت نمليش شريطاً سينمائياً ناجحاً بعنوان «الحاجز» في عام 2020. وحالياً، تحضر لفيلم روائي طويل استوحته أيضاً من تجربة واقعية، يحكي عن فتاة أثيوبية تعرفت عليها في لبنان: «أضع في هذا الفيلم تجارب شخصية كثيرة عشتها جراء علاقتي مع هذه الفتاة وتعرفي إلى مشكلاتها».

وعن أجواء مهرجان البحر الأحمر السينمائي، تقول: «لقد كانت رائعة كما في الخيال، خصوصاً لحضور أسماء عالمية كبيرة. وكان لي لقاء قصير مع مخرج فيلم (مولان روج) باز لوهرمان، ودارت بيننا دردشة سريعة مفرحة، لأنني من المعجبات بأسلوبه السينمائي».

وتختم متحدثة عن واقع السينما اللبنانية: «مع الأسف ليس هناك نظام يدعمها ويساندها مادياً. وعلى الرغم من ذلك، نلمس فيها نجاحات كبيرة وتطوراً ينمو يوماً بعد يوم. حتى إن أفلامنا اللبنانية باتت مشهورة ومعروفة في الغرب، ويشاهدها الناس».

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *