لافتٌ العالم الرقمي بأدواته ورموزه وواقعه الذي يثير شهية الاكتشاف. قد لا يكون مجهولاً تماماً إذا ما قورِن باكتشافات إلكترونية سابقة، بينها ما طبع العصر الحديث وحقّق نقلة نوعية تمثّلت بالثورة في عالم الاتصالات. ولكن ثمة بالتأكيد فئة لا يُستهان بها من اللبنانيين لا تملك ثقافة واسعة حول هذا العالم، لا سيما الخاص بالفن الرقمي.

مستجدات مستمرة يشهدها العالم الإلكتروني عموماً، فنطّلع عليها من خلال العالم الافتراضي. ولكن هذه المرة، قرّر اللبنانيان ألكسندر ريّس وكامي حجار استدراج الجمهور إلى عالمهما الفني المميّز. فهو لا يشبه غيره بموضوعاته ولا بالقطع الفنية المعروضة. وتحت عنوان «هالو بيروت»، يفتتحان معرضاً فنياً في أول غاليري «ديجيتال» في قلب العاصمة، ويحدّدان أهدافهما بنقطتين رئيسيتين، كما يقولان لـ«الشرق الأوسط»: «رغبنا في تعزيز حركة الفن الرقمي ضمن لبنان والعالم العربي، وصولاً إلى أفريقيا. من خلاله، نفتح نافذة للتعريف بتاريخه، مما يُسهم في تثقيف زوّاره بهذا المجال. من ناحية أخرى، نعدُّه منصة تُطلق مواهب لبنانية في الفن الرقمي وتدعمها».

كامي حجار وألكسندر ريّس يستدرجان الجمهور إلى عالمهما المميّز (الشرق الأوسط)

هذه الخطوة هي الأولى من نوعها في لبنان، والثانية عربياً بعد دبي التي افتتحت مساحة مماثلة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ليُطبَع الفن بهوية جديدة قد تصبح سائدة في المستقبل القريب. ولا تقتصر أهداف هذا الغاليري على ما ذكره ريس وحجار آنفاً، بل يصفانه بمساحة إبداعية تُخاض فيها تجارب التكنولوجيا الجديدة، وتستضيف مكتبة متنامية من الكتب ذات الصلة، ونشاطات مثل مسابقات «الهاكثون» والمحاضرات.

تدخل الغاليري لتطالعك أعمالٌ فنية ليست مرسومة بالريشة، بل بأزرار الـ«كي بورد». أما موضوعاتها فهي شيفرة فنية خاصة تُستَخدم لترجمة فكرة الفنان وأسلوبه. وبين رسوم متحرّكة وبرمجة إبداعية، تطالعك أيضاً أعمال من فن الذكاء الاصطناعي. وبين أعمال تتبدّل مشهديتها كل 10 دقائق، وأخرى ثابتة، وثالثة استوحت موضوعاتها بهذه التقنية لفنانين تشكيليين معروفين، منهم إتيل عدنان وإيلين الخال، تستكشف الفن الرقمي عن كثب.

472097 «دي جان آرت»... أول غاليري للفن الرقمي في لبنان
زاوية خاصة بتاريخ هذا الفن (الشرق الأوسط)

يوضح ريس: «استخدام الشيفرة في الأعمال الإلكترونية انتشر بشكل كبير في السنوات الأخيرة. كثر يعملون في شركات عالمية، منها (فيسبوك) و(أوبر)… يلجأون إليها. وكما الحال في عالم التجارة والاقتصاد، كان من البديهي أن تدخل الشيفرة أيضاً عالم الفن».

ألكسندر ريس شاب لبناني يحمل شهادة في الهندسة المعمارية من «الجامعة الأميركية في بيروت»، وأخرى في إدارة الأعمال من جامعة «إنسياد»، وقدّم استشارات عدّة لشركات ناشئة في مجال الـ«كريبتو»، كما جمع أعمالاً فنية كثيرة من نوع «آرت بلوكس». مدفوعاً برغبته في مشاركة شغفه، أسَّس هذا الغاليري.

أما شريكته في المشروع كامي حجار، فهي اختصاصیة في سوق الفنون، حائزة شهادة في أعمال الفن من معھد «سوذبي». وتملك خبرة عملیة في المعارض والشركات الناشئة في مجال التكنولوجیا الفنیة. بدأت رحلتھا في العالم الرقمي من قمة «كریستیس» («آرت + تیك» عام 2018)، فأدركت الإمكانات الثورية لتكنولوجيا الـ«كريبتو». وقرّرت مع ألكسندر افتتاح هذه المنصة الفنية في لبنان، وتُركز اليوم على اكتشاف الفنانين الرقميين في لبنان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودعمهم، وذلك سعياً إلى رفع مستوى مسيرتهم المهنية، وصولاً إلى الشهرة العالمية.

472095 «دي جان آرت»... أول غاليري للفن الرقمي في لبنان
من معرض «هالو بيروت» (الشرق الأوسط)

في معرض «هالو بيروت» أيضاً، نبذة تاريخية عن بدايات هذا الفن في العالم. وضمن زاوية خاصة، يتعرّف الزائر على فنانين عملوا في هذا المجال منذ السبعينات. يشرح ألكسندر: «يومها كانت الشيفرة تؤلّف لوحات جامدة (still)، وتطوّرت لتتّخذ أشكالاً فنية متحرّكة بأسلوب تشفيري».

يحضر الذكاء الاصطناعي بشكل بارز في المجموعة الفنية المعروضة في غاليري «دي جان آرت». وبينها ما صنعها ألكسندر بعدما استوحاها من أساليب فنانين عالميين. يتابع: «انتشار استخدام الشيفرة في مجالات مختلفة، بينها خدماتية واقتصادية، دفع بالمبرمجين المبدعين إلى استخدامها في الأعمال الفنية».

ومن الأعمال المعروضة؛ اثنان للياباني كيو بي بي، وهو من الفنانين الذين اشتهروا باستخدامهم شيفرة واحدة منذ 10 سنوات، ويجهل، حتى الآن، أهم الفنانين بهذا المجال سرّه في تطوير شيفرة واحدة.

472094 «دي جان آرت»... أول غاليري للفن الرقمي في لبنان
أول غاليري للفن الرقمي في لبنان (الشرق الأوسط)

يأخذك عالم الشيفرة في المعرض إلى عالم الاستخبارات والجاسوسية وأفلام «جيمس بوند»، ويذكرك بالغموض الذي اكتنف تلك الموضوعات، ما يترك أثراً عند مُشاهدها، خصوصاً أنّ الشيفرة استُخدمت في عالم الاتصال اللاسلكي أثناء الحروب الكبرى.

مدرستان متناقضتان تتنافسان في هذا الفن: واحدة تدأب على عدم ترك أي أثر للشيفرة المُستخدمة فتختفي معالمها تماماً، وأخرى تعتمد إبرازها بوضوح، ما يتيح استخدامها في عمل فني مشابه.

ولكن كيف يمكن شراء هذه الأعمال وامتلاكها، ومن ثَم عرضها؟ يشرح ألكسندر: «العملية تتم بواسطة (الملف الديجيتال) الذي يشتريه الزبون ويحتفظ به، ويمكنه عرضه بطرق مختلفة. قيمة العمل تكمن في هذا الملف».

رحلة استكشاف طويلة يتنقل خلالها الزائر بين أعمال رقمية تتّخذ أسماء مختلفة: «رحلة مع الشيفرة»، و«هروب»، و«كواكب»، و«one thousand true fans»… وغيرها، فيعيش تجربة فنية فريدة لناحية الأشكال والألوان والموضوعات.

وعن التفاعل بين الفنان والمتلقّي، تشرح كامي: «العلاقة تكون مباشرة بينه وبين الزائر، بعيداً عن أي طرف ثالث. موجة عالم الفن الرقمي والثورة التي ولّدها، تماماً كتلك التي حقّقها فن التصوير الفوتوغرافي في بداياته. يومها، لم يستوعب الناس كيفية تجميد اللحظة في صورة. الأمر عينه يتكرّر هنا في ثورة فنية نتوقّع لها مستقبلاً باهراً».

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *