تخطف الموسيقى الغربية معظم جيل الشباب اللبناني وتعمق الهوة بينه وبين الفن الشرقي الأصيل. فالعولمة دفعت بالكرة الأرضية في أكملها للتواصل من دون حواجز أو حدود. فباتت الشعوب منفتحة على بعضها عبر المحيطات والصحارى، واختلطت الفنون ببعضها بعضاً، إلى حد صار يستعيرها الشبان في أعمالهم الغنائية والموسيقية بشكل عفوي.

وفي لبنان كما غيره من البلدان العربية يبدي جيل الشباب تأثره بالموسيقى الغربية، فعلاقته الوطيدة بها خفّفت من اهتمامه بالشرقية منها.

ويشكل المغني رالف دبغي نموذجاً من هؤلاء الشباب الذين وجدوا في الموسيقى الغربية ملجأ لهم. كثيرون من مغنيين وعازفين وموسيقيين سبقوا رالف إلى تلك الموجة.

صورة من ألبومه «ساعة الرمل» (الشرق الأوسط)

ويقول رالف في هذا الصدد: «لست ضد الموسيقى الشرقية، لا بل أتذوق بعضها أحياناً. ولكني أرتاح مع الغربية، وعندما أكتب أغنية تولد عفوياً بالإنجليزية. أما ألحانها فتطبعها مباشرة الموسيقى الغربية لأني أستمع لها أكثر».

ألبوم غنائي هو الأول من نوعه لرالف قرر إطلاقه بالإنجليزية تحت عنوان «الساعة الرملية». ومن خلال 8 أغنيات كتبها ولحنها يحاول أن يخاطب أبناء جيله بلسان حالهم. فابن الـ21 عاماً رأى في هذا الألبوم صلة اتصال مباشرة مع شباب من عمره في لبنان أو في أي بلد عربي أو غربي. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: إن «أغانيّ هي بمثابة تجارب شخصية مررت بها وطبعتني بمرها وبحلوها. ومعها رغبت في تمثيل الشباب من عمري، ولمست مدى نجاحي في تحقيق هدفي هذا، عندما رأيت ردود فعل أصدقاء كثيرين عند سماعهم أغاني الألبوم». ويتابع: «بعضهم قال لي إني ترجمت دموعه وآخرين شكروني لاستخدامي الكلمات المناسبة التي تتناول أحاسيسهم الدفينة. فعندما كنت أمر بلحظات عصيبة كانت الموسيقى أفضل علاج لي. وكانت تشعرني بالراحة، وأتمكن معها من استيعاب مشكلتي على طريقتي. وهذه الأحاسيس التي كانت تمتلكني بعد العزف على آلة البيانو تحديداً، رغبت في إيصالها لغيري».

بكل بساطة يختصر رالف سبب التحاقه بعالم الموسيقى والغناء الغربيين: «بالنسبة لي هذا النوع من الموسيقى ينقلني إلى عالم أحبه وترعرعت عليه. لقد حاولت الغناء بالعربية وعندما قصدت أستاذاً ليعلمني الـ(فوكاليز) أكد لي أن صوتي يتلاءم أكثر مع الموسيقى الغربية. ومنذ ذلك الوقت قرّرت السير في هذه الطريق، لكنّ أحداً لا يعلم ماذا يخبئ له المستقبل».

473477 رالف دبغي نموذج الشباب اللبناني المأخوذ بالأغنية الغربية
نصيحة من أستاذ الموسيقى دفعته للتمسك بالغناء بالإنجليزية (الشرق الأوسط)

يجمع رالف في موهبته العلم والفن معاً، فهو يدرس علم الكمبيوتر (Computer science) وفي الوقت نفسه يغني، «وجدت علاقة وطيدة بين المجالين، سيما أننا اليوم نعيش في عالم رقمي يتطلب منا خلفية علمية أيضاً. واستفدت بالفعل من اختصاصي هذا في عالم الغناء. فهو ساعدني على استيعاب عمليات التسجيل والمونتاج والتعامل مع الـ(سوفت وير) بشكل جيد».

أولى تجاربه الغنائية حققها عندما كان في الثامنة من عمره، وما لبست بعد ذلك، أن تفتحت موهبته عندما ألف أغنية لمناسبة حفل زفاف شقيقه، فأداها بالإنجليزية أيضاً، ولكنه لوّنها بمقطع بالعربية، يقول: «كانت تجربة حلوة وأثّرت في كثيرين». حتى حفلاته في أماكن السهر يؤدي خلالها رالف دبغي أغاني غربية.

473475 رالف دبغي نموذج الشباب اللبناني المأخوذ بالأغنية الغربية
يتضمن ألبومه 8 أغنيات استوحيت من تجارب شخصية (الشرق الأوسط)

كتب حتى اليوم نحو 40 أغنية، واختار 8 أغنيات منها لتؤلف ألبومه الجديد. تحمل عناوين مختلفة كـ«أعمال جارية»، و«ضوء في العتمة»، و«بدون أثر»، و«بالي مشغول عليك»، و«انكسر»، و«ذكريات». وجميعها توحي بعلاقة حب ذهبت إلى غير رجعة.

«هذا صحيح، فألبومي يحكي عن علاقة حب لم تكتمل معالمها. ولكنه يتضمن أيضاً، أغاني حماسية وإيقاعية تعرّف سامعها إلى حكاية أحدهم. جزء كبير منها يتعلّق بي وينقل التطور الذي يمكن أن تشهده أي علاقة حب».

لم يشأ رالف أن تحمل أغنياته موضوعات منفصلة، فهو حبكها بشكل معين لتؤلف قصة متسلسلة، «وجدت في هذا الأسلوب تجدداً، لأن جميع الموضوعات مرتبطة ببعضها بعضاً. فللقصة بداية ونهاية، نقلتها في 8 محطات تؤلف أغاني ألبومي».

473476 رالف دبغي نموذج الشباب اللبناني المأخوذ بالأغنية الغربية
يطلق أول ألبوماته الغنائية «Hourglass» (الشرق الأوسط)

من تجاربه الموسيقية السابقة واحدة خاصة بفيلم «أغوني»؛ وهو كناية عن شريط سينمائي مدته 27 دقيقة، وضع له رالف موسيقاه التصويرية. وحقق الفيلم نجاحاً لا يستهان به، ووصل الترشيحات النهائية في مهرجان «كان» السينمائي، يوضح: «يعود لكريم شريتي، وهو طالب جامعي لبناني. طلب مني وضع موسيقى فيلمه، فسعدت كثيراً، وكانت فرصة مواتية لإبراز موهبتي الفنية».

ويؤكد رالف أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في توسيع عالم الفن إلى أبعد حدود. «لم يعد اليوم من حواجز وحدود، فقد بات العالم منفتحاً على بعضه بعضاً بفضل الـ(سوشيال ميديا)». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أعدّ لبنان من البلدان التي خرّجت فنانين عالميين، فالنجاح لا يُحدّد اليوم ببلد معين؛ ويمكن لأي موهبة غنائية أن تبرز ولو كانت من الصين أو من الخليج العربي ولبنان. فالموضوع برمته يتعلق بمدى شغف الفنان بعمله؛ وكلّما أحبه أحرز نجاحاً تلو الآخر. ومن هذا المنطلق لا أنتظر المساندة من أحد، بل أجتهد بنفسي ووحدي. وأقول لكل موهبة في عمري، ألا تفقد الأمل، وأن تحاول دائماً، لأن التجارب لا بدّ أن تؤتي بثمارها».

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *