عوامل، يُضاف إليها «التوفيق من الله»، خلف نجاح وسام حنا في البثّ المباشر المتواصل لأكثر من 12 ساعة يوم رأس السنة. ورغم أنه عوَّد الناس على حضوره الثابت في وداعهم عامهم المتساقِط، يطلّ هذه المرة بلمعة نضج مصدرها مصالحة الألم. لساعات، مازح، وأضحكَ، وربَّح جوائز، وتشارك مع المشاهدين خلاصة الحب. يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ حرب غزة أيقظت أوجاعه وجعلته يُعطي بحجم التلقّي المُشتهى.

أُلقي أقصى الجهد على اليوم الطويل هذا العام، بعنوان «عيِّد معنا» عبر شاشة «إل بي سي آي». قبل يومين من 31 ديسمبر (كانون الأول)، تمكّن الضغط النفسي تماماً من وسام حنا، فلاحت له فكرة الانسحاب من كل شيء: «المسؤولية كبيرة، والمنافسة بين المحطات في رأس السنة تبلغ الذروة. الجميع كان مستعداً. ونحن أيضاً. تأهّبت جميع الأقسام بما فيها الأخبار، وصُبَّت الجهود لليوم الاستثنائي. لم يكن أمامي سوى إسعاد الناس».

وسام حنا لا يتعلّم من الحروب بل يراها مراياه (حسابه الشخصي)

محقٌ بالقول إنّ المذيع يتدرّب على الإلقاء ويُحسِّن مخارج الحروف ليُتقن صنعته، أما مقدّم برامج التسلية، فلا مفرّ من تحلّيه بالبساطة: «إنها السرّ، والتحضير في المرتبة الثانية. البساطة نِعمة السماء، يملكها المرء ولا يكتسبها».

لم يعلم أنه يتحلّى بها، وحامت حوله صورة نمطية مفادها أنه جامد، لا يتفاعل، ولا يُحدِث الوَقْع المُحبَّب. بعد برنامج «حسابك عنا»، أثبت العكس. منحته مديرة البرامج في المحطة جوسلين بلال فرصة، ومن الباب فُتِحت أبواب. اليوم، هو وجه الشاشة المُنتَظر يوم رأس السنة، من صباحه حتى ليله؛ يراكم الثقة محاولةً بعد أخرى، ونجاحاً تلو النجاح.

هذه مقدّمة، فعمق الموضوع يحمل جانباً يمسّ الجوهر. إنه قلب الإنسان وروحه التي تعصرها المواجع. وإنْ يتساءل بعضٌ عما يدفع وسام حنا للانغماس تماماً في الحرب على غزة وآلام أطفالها والنزف الكبير، فالجواب هو عذابات داخلية قلّما تُنبَش، تجعله يسعى إلى الحب فيُعطيه ليناله من جديد، وتتحقّق البلسمة.

477095 وسام حنا... 12 ساعة من بثّ الحب
النضج يجعل أداء وسام حنا أكثر تماسكاً وعفوية (حسابه الشخصي)

يستوقفه أنّ صاحبة السطور لمحت نضجاً في أدائه هذا العام، وفي تماسُك الساعات الطويلة، وعفوية إسعاد الناس: «هذا انعكاس أسى الحرب. ترددتُ قبل قراري خوضَ يوم رأس السنة، فالجَلْد مرير، والانتقادات، وقسوة الوضع العام. توصّلت اجتماعاتي مع رئيس مجلس إدارة (إل بي سي آي) بيار الضاهر إلى ضرورة إعلان الأمل. أردنا إتاحة مساحة للتنفُّس، فلا يعمّ الاختناق. الناس يستحقون الفرحة وسط اشتداد الظلمة».

ليس تعاطفاً ما يحمله المقدّم والممثل اللبناني لفلسطين: «التعاطف شيء آخر. قد أرى فقيراً في الشارع، فأتعاطف وأُكمل الطريق. الحرب على غزة لم تُعلّمني. لستُ أستقي دروساً من المجازر. لقد شكّلت مرآة لآلامي، وأيقظت أوجاعاً عتيقة. شعرتُ أنني قد أخسر مَن أحب. وقد أخسر نفسي أيضاً. كل ذلك قد يحصل في لحظة».

كلما تألّم طفل وارتجفت أطرافه، أصاب الألم الطفل المقيم في وسام حنا، ومسّت الرجفة روحه المُحمَّلة بالندوب: «أرى نفسي في الصغار المرتجفين. أجدني ذبيحاً مثلهم!». بعضنا يستعجل الحكم على الظاهر، ويظنّ أن لا وجود لما يُخفَى. الحقيقة، أنه شديد السطوع، وإن تستَّر أو توارى أو أُحيل إلى التمويه. يقول: «خلف القوة، تكمن هشاشة الإنسان. من غزة إلى جنوب لبنان، فدول العالم؛ يتشابه الحزن ويتوحّد الضعف البشري».

477098 وسام حنا... 12 ساعة من بثّ الحب
وسام حنا يعلن الأمل ويتمسك بالرجاء (حسابه الشخصي)

صمَّم على تعميم الفرح وشقَّ له طريقاً نحو القلوب: «لم يكن الهدف توزيع الجوائز فقط. أردنا الإضاءة على النِعم. في يوم رأس السنة، اعترتني رغبة في تصديق أنّ الجميع سعيد. مَن يستطيعون مساعدة الآخرين، لا يفعلون ذلك من أجل تأمين دواء أو تسديد فاتورة فحسب، بل ليحظوا بفرصة الشُكر. إصراري الكبير كان جَعْل المُقتدِر يُقدِّر صحّته وماله وسائر النِعم. علينا أن نرى الأشياء بوضوح. فما نمتلكه، ثمة مَن يقاتل للحصول عليه».

الإحساس الداخلي بالضعف يحرّك حلاوة العطاء. من الشجاعة الاعتراف بأنّ الصميم هشّ ومحطَّم، فيحاول حنا مداواة الجرح المشترك بين جميع البشر بتحويل الحزن إلى حب: «قلما تنجو طفولتنا من التعثّر. هناك الخدوش وما يُعلِّم عميقاً. الجرح إنساني يسكننا جميعاً، وعبثاً نتحايل عليه بادّعاء الصلابة والضحك في وجه الحياة. نحن أقوياء؟ نعم. لكنّنا في الأعماق أطفال».

نضجُ الأداء وتماسكه، تولّدهما مراجعة النفس بعد الحرب: «أعيد حساباتي المتعلّقة بالعمل والآخرين والعلاقات. يتبيّن لي أنّ الحب يداوي. أتحايل على الداخل بإرادة الضحكة وتحدّي الاستمرار. رسالةُ الحب هذه هي ميزةُ أدائي هذا العام. أُعطيه فيعود إليّ. انعكاساته تفترش ملامحي وتسيطر على نبرتي، فيشعر الناس بالطاقة. مَن ماتوا لن يعودوا، ومَن بُترت أطرافهم لن يستعيدوا ما فات. الحب يُبلسم ويمنح السكينة».

استيقظَ في اليوم التالي لرأس السنة مغموراً بسلام نفسي بعد بلوغ القلق أقصاه. اليوم يستريح. يسمّيها «استراحة محارب»، بعد صخب التحدّيات والأسئلة. تناقَش وزميلته جويل فضّول في خطاب ختام العام ووداع مَن تابعوه لساعات. قرأ بتأثّر معنى الرهان على الأمل، وإبقاء الرجاء منارة الحقيقة الصافية.

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *