بكثير من الحذر تنظر دمشق إلى حالة الجيشان والغضب الشعبي في شوارعها جراء التصعيد في قطاع غزة؛ ففي حين تعمّ شوارع العديد من المدن العربية والغربية مظاهرات احتجاجية حاشدة، لا تزال المظاهرات في شوارع دمشق تتم بحذر وتحت أنظار الجهات الأمنية.

ولغاية يوم الخميس، لم تحظَ المظاهرات التي نظمتها جهات فلسطينية، بتغطية إعلامية، سوى ما نشره ناشطون عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

إلا أن التصعيد الخطير الذي حصل بعد قصف مشفى المعمداني في غزة، دفع دمشق إلى تخفيف حذرها، وأعلنت حالة الحداد العام، واتجهت نحو تنظيم وقفات تضامنية رسمية، وأوعزت للنقابات والمؤسسات الحكومية بتنظيم وقفات دعم لغزة والمقاومة الفلسطينية، التي ظلت وقفات خجولة قياساً إلى حجم التعاطف ومشاعر الغضب التي تجتاح الشارع السوري، وقياساً إلى مظاهرات شهدتها البلاد في سنوات ما قبل الحرب، كالمظاهرات الاحتجاجية التي رافقت الحرب على العراق، أعوام 1999 و2002 و2003، ومظاهرات التضامن مع جنين 2002، والتضامن مع غزة عام 2009، عندما «كانت الجماهير الغاضبة تملأ الساحات وتغلق أكبر شوارع العاصمة».

وقفة لكادر طبي في مستشفى ابن النفيس في دمشق (مواقع)

تعلّق مصادر متابعة في دمشق لـ«الشرق الأوسط» أن «أول مظاهرة تضامن مع غزة بعد عملية (طوفان الأقصى)، خرجت قبل 10 أيام، في ساحة عرنوس وسط دمشق التجاري، ونظَّمتها جهات فلسطينية. لكن حصل أنه حين ارتفعت وتيرة الهتافات واشتد حماس المتظاهرين، سارع عناصر الأمن الذين أحاطوا التجمع بأعداد تكاد تساوي عدد المتظاهرين، إلى تفريقهم. وسرعان ما ارتفعت صور الرئيس السوري وراحوا يهتفون له بدل الهتاف لغزة».

تتابع المصادر: «المشهد كان مهزلة»، لافتة إلى «تخوُّف حقيقي لدى الجهات المعنية في دمشق، من تحول أي تجمع جماهيري غاضب، من التضامن مع الفلسطينيين إلى مناسبة للاحتجاج على النظام». ورجحت ألا تسمح دمشق بذلك تجنُّباً لموقف سيكون «محرجاً للغاية»، لأن الشارع السوري مهيَّأ للانفجار؛ «فهو يتشارك مع الفلسطينيين في المعاناة الإنسانية من حصار وقطع كهرباء ومياه، وقمع وحشي».

وشبهت المصادر السوريين المشاركين في المظاهرات بـ«المفجوعين والحزانى الذين يشاركون في الجنازات لا للبكاء على الميت فقط، وإنما للبكاء على حالهم وأوجاعهم أيضاً».

يقول رامي (38 عاماً) معارض ولا يزال يعيش في دمشق لعدم حصوله على «فيزا» تمكّنه من هجرة «آمنة» إنه يتحرق للخروج إلى الشارع و«الصراخ احتجاجاً من أجل غزة»، لكن ما يمنعه أن تلك المظاهرات تخرج بأمر من الحكومة وتصب في مصلحتها… «لن أكون سعيداً بظهور صورتي في مظاهرة من أجل غزة وفوق رأسي ترتفع صورة لبشار الأسد».

معلّمة معروفة بمواقفها الداعمة للحكومة تقول إنها شاركت بالوقفة التضامنية من أجل غزة «كنوع من الواجب الإنساني»، ولكننا في الواقع «بحاجة لمن يتضامن معنا من أجل فك الحصار الأميركي عنا».

380955 «حماس» تعلن سقوط قتلى إثر غارة إسرائيلية على حرم كنيسة في غزة
تضامن شعبي سوري فلسطيني امام سفارة فلسطين في دمشق بحضور طاقم السفارة (حساب فيسبوك)

موقع «صوت العاصمة»، من جانبه، أفاد، نقلاً عن مصدر في وزارة الإعلام، بأن الوزارة منعت جميع وسائل الإعلام العاملة في سوريا من تغطية ونقل المسيرات التضامنية مع قطاع غزة. وبحسب المصدر، فإن بعض المسيرات تتردد خلالها هتافات للرئيس السوري، ما سيؤدي لانتقادات ساخرة تطول شخصه عند نقل المسيرات على شاشات التلفزيون أو على مواقع التواصل الاجتماعي، بصفته أحد قادة ما يسمى «محور المقاومة». وأوضح المصدر أن وزارة الإعلام اكتفت بالسماح لناشطين وصحافيين ومؤثرين بالتقاط الصور ونشرها على مواقع التواصل ومنصات الإعلام الموازي.

وغطت وسائل الإعلام الرسمية السورية الوقفات التضامنية التي نفذتها الكوادر الطبية السورية يوم الخميس، في عدد من المشافي الحكومية في دمشق وريفها ومدن سورية أخرى. وتمت الوقفات داخل ساحات المشافي، والمؤسسات الصحية، حيث بدأت بالوقوف دقيقة صمت ورفعت لافتات تستنكر الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وتم الاكتفاء برفع العلم الفلسطيني والعلم السوري الرسمي.

كما بث التلفزيون السوري في بث مباشر، وقائع الوقفة التي نفذتها هيئات سورية وفصائل فلسطينية أمام مقر الأمم المتحدة بدمشق «دعماً للشعب الفلسطيني ومقاومته، وتنديداً بالجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق الأهل في قطاع غزة المحاصر»، بحسب التلفزيون الرسمي.

380956 «حماس» تعلن سقوط قتلى إثر غارة إسرائيلية على حرم كنيسة في غزة
نقابة المعلمين ووقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في غزة (مواقع)

وتزامنت تلك الوقفة مع أخرى أمام مقر سفارة دولة فلسطين نظَّمتها نقابة المعلمين في سوريا، وشارك فيها وزير التربية محمد عامر مارديني، ونقيب المعلمين وحيد الزعل، وأعضاء النقابة، وعدد من المعلمين وطلبة المدارس.

وقدم السفير الفلسطيني سمير الرفاعي الشكر للمتضامنين، وقال إن «فلسطين وسوريا جمعهما تاريخ مشترك ومصير مشترك وعدو مشترك، وإن فلسطين كانت وستبقى القضية المركزية للشقيقة (سوريا)». وأظهرت الصور والتقارير التي غطّت تلك الوقفات حالة من التنظيم والانضباط اللافت، لتبدو مناطق الحكومة تحت السيطرة.

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *