نازحو غزة… معاناة يومية للحصول على مستلزمات الحياة

يخوض الفلسطيني جبر معين معركة يومية للحصول على بعض مستلزمات الحياة كالخبز والماء، بعدما اضطُر مع نحو 40 من أفراد عائلته إلى النزوح من مدينة بيت حانون في شمال قطاع غزة إلى جنوبه.

استقرت الحال بمعين وأقاربه في مدرسة إيواء تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في بلدة القرارة في خان يونس، لتعيش العائلات السبع في جانب من فصل دراسي، تتشارك في ما بينها المعاناة والحرمان، مثلما تتعاون في توفير بعض الاحتياجات.

تفتقر هذه العائلات لأبسط احتياجاتها اليومية، حالها حال نازحي الحرب عموماً في قطاع غزة، فالطعام والشراب والأغطية وغيرها تتوافر في حدودها الدنيا، وبشكل لا يلبي الحد الأدنى لاحتياجاتها العادية قبل النزوح.

ويقول معين: «رحلة البحث عن الطعام تبدأ مع بزوغ شمس النهار ولا تنتهي إلا عند غيابها، حتى نستطيع توفير القليل من هذه الاحتياجات»، مضيفاً: «لا يحالفنا الحظ دوماً في توفير المطلوب، فنضطر إلى تقاسم المتوافر انتظاراً لليوم التالي».

ويوضح معين أن العائلات النازحة تجتهد في ابتكار وسائل للتغلب على ظروف حياتها الأكثر قسوة، من بينها تناول الوجبات بالتناوب، حتى تستطيع كل عائلة أن تحصل على كل أنواع الطعام.

وتجسد حالة هذه العائلة مع النزوح جزءاً من الصورة القاتمة التي يسيطر عليها العوز وعدم القدرة على توفير متطلبات الحياة، ليس لعدم امتلاك المال الكافي في بعض الأحيان، بل لغياب القدرة على توفير هذه السلع من السوق لندرتها أو الحاجة إلى وقت وجهد للعثور عليها.

يدفع هذا الواقع عائلات نازحة كثيرة إلى تدبير شؤونها بما هو متاح، وإعطاء الأولوية للأطفال وكبار السن والمرضى والأشخاص الأكثر حاجة أو أولئك الذين ليست لديهم القدرة على الحركة والتنقل مثل أصحاب الهمم.

يوضح أنور (46 عاماً)، الذي نزح إلى مركز إيواء في جنوب القطاع منذ أكثر من أسبوعين، أنه عادة ما يبحث عن احتياجات أطفاله الصغار ووالديه خصوصاً الطعام، ويمتنع في بعض الأحيان عن تناول وجباته لمنحها إلى مسنين أو أطفال.

وقال: «الشباب لديهم القدرة على تحمل الجوع وتجاوز وجبة أو اثنتين، لكن كبار السن لا يستطيعون والأطفال لا يمكنهم الصبر أو تفهم الواقع الجديد».

وأضاف: «إذا توافرت وجبات أرز ساخنة بأعداد محدودة لا تغطي كل مركز الإيواء، يُتَّفَق مع إدارة المركز على توزيعها بأدوار بحيث يصل نصيب منها لكل عائلة حسب دورها في الأيام التالية».

وتوفر هذه الطريقة فرصاً متساوية للجميع للحصول على بعض الأطعمة التي تقدمها جهات خيرية من حين إلى آخر، لكن ليس من المضمون أن تصل لكل الأفراد أو العائلات النازحة، إذا ما توقفت الجهات الإنسانية عن المساعدة أو انتقلت إلى مركز آخر.

ويصف عبد الله (52 عاماً)، الذي نزح مع زوجته وأبنائه الستة ووالديه، أوضاع الطعام في مراكز الإيواء بأنها «جريمة في حق الإنسان عموماً، خصوصاً الأطفال والمرضى، فضلاً على الأصحاء والكبار؛ لأنها محدودة جداً وغير صحية».

وتابع قائلاً: «لا يمكن وصف ما يتناوله النازحون بالطعام الكافي أو الصحي، هو عبارة عن معلبات أو أصناف محدودة الفائدة، وكنا نتناولها مرة في الأسبوع قبل النزوح، لكن الآن نتناولها بشكل دائم».

وتشاركه زوجته الرأي قائلة: «أنظر إلى أبنائي فأجد وجوهاً ضعيفة ونحيلة»، معتبرة أن استمرار الوضع الحالي «سيترك نتائج كارثية على حياة الأطفال في المستقبل القريب».

وأضافت أن قلبها يرتجف على صغارها وأقرانهم «وهم يُحرمون من وجبات صحية أو طعام كافٍ، ويطلبون أشياء غير متوافرة في أوضاع الحرب والنزوح. بالكاد نستطيع توفير بعض المعلبات أو الأطعمة المخزنة، أما ما يطبخ أو يجهز ساخناً، فهذا أصبح من النوادر».

فلسطينيون يطهون الطعام داخل مخيم تابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للفلسطينيين النازحين الذين فقدوا منازلهم في القصف الإسرائيلي في خان يونس بقطاع غزة 29 أكتوبر 2023 (إ.ب.أ)

وتقدر مؤسسات أممية ومحلية نزوح ما يزيد على مليون فلسطيني منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أي ما يقرب من نصف سكان القطاع الساحلي الضيق المكتظ بالسكان، سواء في مراكز الإيواء التي حددتها «الأونروا»، التي تستوعب 600 ألف نازح، أو في الشوارع والمستشفيات… وغيرها.

وفي ظل الأوضاع القاسية للنازحين، تنشط بعض المبادرات الإنسانية للتخفيف من وطأة الوضع، عبر توزيع وجبات مطبوخة وبعض المستلزمات الأخرى.

تطوع نبيل أبو طه مع شبان آخرين لطبخ كميات من الأرز والبرغل والعدس والفاصوليا… وغيرها لتوزيعها على النازحين في مراكز الإيواء القريبة منه بشكل يومي.

يبدأ أبو طه يومه مبكراً في الطبخ على نار الحطب، نظراً لعدم توافر غاز الطهي، على طريق صلاح الدين الرئيسي، قبل أن ينقل ما يطبخه على مركبة بثلاث عجلات (توك توك)، يجري دفعها يدوياً بمساعدة متطوعين آخرين لعدم وجود وقود لتشغيلها.

وتعمل مبادرة «نبض القرارة» على توفير وتنسيق بعض المستلزمات لطبخها وتوزيعها على النازحين في مراكز الإيواء، في ظل ضعف ما تقدمه «الأونروا»، وفق منسق المبادرة بكر أبو لحية، الذي يؤكد أن النازحين بحاجة لأي مساندة للتخفيف من وطأة حياتهم شديدة القسوة.

ويقول: «الأهالي والعائلات المحيطة بمراكز الإيواء رفضت الحديث عن نازحين، وعدَّت من قدموا إليها ضيوفاً وجب إكرامهم بما هو مستطاع، فالكل بادر وشارك وحددنا نقطة للطبخ وبدأنا مباشرة».

وأضاف: «نعتمد على الجهود الذاتية في توفير المطلوب للطبخ، وابتعدنا عن الخبز؛ لأن هناك أزمة، لنركز على بعض المأكولات التقليدية مثل المجدرة والعدس والبرغل والأرز».

وعلى الرغم من أن ما يقدم من قبل هذه المبادرة وغيرها ليس سوى جزء بسيط يسد الرمق، وفق أبو لحية، لكنه يشدد على أهميتها في توفير بعض احتياجات النازحين، خصوصاً أن مستلزمات وإمكانات الطبخ لا تتوافر لديهم.

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *