كشفت مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» البحثية عن أن القطاع المصرفي المصري قد يتأثر سلباً بشكل غير مباشر إذا حدث تعديل غير منظم في سعر العملة، ما يجعل الحكومة تواجه صعوبات في سداد ديونها، في ظل ازدياد تعرض البنوك المحلية للديون الحكومية بالعملة الأجنبية.

وأشارت المؤسسة، التي يقع مقرها الرئيسي في لندن، إلى أنه إذا تمكنت الحكومة من إعادة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى مساره الصحيح، فمن غير المرجح أن يؤدي هذا الانكشاف إلى مشاكل كبيرة، بحسب تقرير اطلعت عليه وكالة أنباء العالم العربي.

وقال التقرير إن تعرض البنوك المصرية المتزايد للديون الحكومية بالعملة الأجنبية بدأ يحدث تداخلاً بين المخاطر المرتبطة بالعملة والمخاطر على المستوى السيادي، فضلاً عن المخاطر المتعلقة بالقطاع المصرفي.

مخاطر محتملة على القطاع المصرفي

ووفقاً لـ«كابيتال إيكونوميكس»، فإن الخطر الرئيسي هو أن الحكومة المصرية سوف تواجه صعوبات في الحصول على ما يكفي من النقد الأجنبي لدفع ثمن الأوراق المالية المقومة بالعملة الأجنبية أو التسهيلات الائتمانية المستحقة للبنوك بالعملة الأجنبية.

وأعربت المؤسسة عن اعتقادها بأن هذا التهديد محدود، على الأقل في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن المسؤولين المصريين لديهم القدرة على الحصول على النقد الأجنبي من خلال الاتفاقية المبرمة مع صندوق النقد الدولي، رغم أن ذلك يعتمد على قيام السلطات بتخفيض قيمة الجنيه مرة أخرى بعد الانتخابات الرئاسية وتبني سعر صرف مرن، ما سيساعد أيضاً في جذب تدفقات رأس المال الأجنبي الخاص.

ورأت أن اضطرار الحكومة إلى سداد الديون المستحقة لها بالعملة الأجنبية سيتطلب في المقام الأول أن تطالبها البنوك بالسداد، مشيرة إلى أن البنوك يمكن أن توافق ببساطة على تمديد أجل تلك الديون. وحتى لو اضطرت الحكومة إلى إجراء عملية إعادة هيكلة أوسع للديون في المستقبل، فمن المؤكد أن المسؤولين المصريين سيكونون حريصين على تجنب إلحاق خسائر كبيرة بالقطاع المصرفي.

كما أن حدوث صدمة تجبر البنوك على مطالبة الحكومة بسداد التزاماتها بالعملة الأجنبية يعدّ أيضاً من الأخطار الرئيسية المحتملة، مشيراً إلى أن المحرك الرئيسي لتلك الصدمة هو الزيادة المفاجئة في طلب المودعين سحب النقد الأجنبي من البنك المركزي سواء النظام المصرفي أو البنوك لسداد ديونها الخارجية.

وإذا لم يكن لدى الحكومة ما يكفي من العملات الأجنبية لسداد مدفوعات النقد الأجنبي للبنوك، ولم يكن البنك المركزي في وضع يسمح له بالتدخل، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة ديون سيادية كاملة مع آثار غير مباشرة على القطاع المصرفي.

وقالت «كابيتال إيكونوميكس»: «على أقل تقدير، قد يجبر ذلك السلطات على اتباع مسار فرض ضوابط صارمة على رأس المال».

البنوك تقاوم ضغوط خفض العملة

وقبل الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه الذي بدأ العام الماضي، كانت البنوك التجارية في وضع جيد يسمح لها بتحمل ضعف العملة؛ حيث كانت أصولها الأجنبية أكبر من التزاماتها، وبالتالي أدى انخفاض الجنيه إلى ارتفاع صافي الأصول الأجنبية المقومة بالعملة المحلية، بحسب التقرير.

وأشار إلى أن أحدث البيانات تشير إلى ارتفاع صافي الأصول الأجنبية للبنوك التجارية المصرية إلى 6.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام الجاري، بحيث تشكل هذه الأصول حالياً نحو ربع إجمالي أصولها.

لكن المؤسسة قالت إن الميزانيات العمومية للبنوك تظل معرضة للخطر إذا تدهورت جودة الأصول الأجنبية، مشيرة إلى أن ذلك قد يحدث إذا أدى انخفاض الجنيه إلى زيادة تكلفة العملة المحلية على الأسر والشركات في خدمة ديونها بالنقد الأجنبي. وفي الوقت نفسه قد يؤدي حدوث تباطؤ اقتصادي إلى إيرادات أضعف من المتوقع وفقدان وظائف. ولكن حتى الآن لا توجد أدلة تذكر على أن هذا كان له تأثير، مستشهدة بأن إجمالي القروض المتعثرة لدى البنوك انخفض في العقد الماضي واستقر عند 3.3 في المائة فقط من إجمالي القروض هذا العام.

انكشاف البنوك على الديون

أشار الخبير الاقتصادي المعني بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المؤسسة، جيمس سوانستون، إلى أن الجزء الأكبر من الأصول الأجنبية للبنوك يتمثل في إقراض الحكومة؛ حيث قفزت مطالبات البنوك الأجنبية على الحكومة، أي حيازات البنوك من الأوراق المالية الحكومية بالنقد الأجنبي والتسهيلات الائتمانية بالعملة الأجنبية المقدمة للحكومة، من نحو 10 مليارات دولار قبل 10 سنوات إلى 60 مليار دولار الآن. وكحصة من إجمالي أصول البنوك، ارتفعت من 5 في المائة إلى 14 في المائة خلال الفترة نفسها.

وأوضح سوانستون أن اعتماد الحكومة على البنوك لتأمين النقد الأجنبي يرجع إلى سببين أساسيين محتملين؛ أولهما سعيها إلى كبح تكاليف الاقتراض، لافتاً إلى أن عوائد السندات الحكومية المصدرة بالجنيه ارتفعت بمتوسط يبلغ نحو 1200 نقطة أساس منذ بداية العام الماضي، والثاني هو أنه من المحتمل وجود سعي حكومي للاستفادة من النقد الأجنبي المتوفر في النظام المصرفي، إذ ربما تستخدم الحكومة ذلك النقد الأجنبي لتمويل الواردات والمساعدة في تصفية الطلبات المتعلقة بتخليص السلع المستوردة التي نشأت في أواخر 2022 بوتيرة أسرع.

وبشأن تكاليف الاقتراض، لفت سوانستون إلى أن متوسط أجل استحقاق الدين العام المصري يعد من الأقصر في العالم، ما يعني أن ارتفاع عوائد السندات الحكومية يؤدي بسرعة إلى ارتفاع تكاليف خدمة الدين، مشيراً إلى أنه على النقيض من ذلك فإن تكاليف الاقتراض بالعملة الأجنبية أقل، وفي ظل عدم إفساح المجال لمصر بشكل كبير في أسواق رأس المال الدولية، فإن الحكومة تلجأ إلى القطاع المصرفي المحلي على أنه بديل.

وأضاف سوانستون أنه من المحتمل أيضاً أن تقوم الحكومة بتدبير النقد الأجنبي للبنك المركزي لاستخدامه في الدفاع عن العملة المحلية. وأوضح أنه عندما تقوم البنوك بشراء الأوراق المالية الحكومية أو تقديم الائتمان بالنقد الأجنبي، تحصل الحكومة في المقابل على عملة أجنبية يمكنها بعد ذلك إيداعها في حسابها بالبنك المركزي المصري. وفي الميزانية العمومية للبنك المركزي، تشكل الودائع بالعملة الأجنبية من الحكومة التزاماً، وهناك أصول مقابلة بالعملة الأجنبية يمكن استخدامها للتدخل لدعم الجنيه.

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *