يبدو التجوّل بين أعمال الفنانة المصرية إكرام عمر، أقرب للتنزه بين مرافئ الزمن، ومفردات الطبيعة، ودهشة الأسطورة النابعة من غِمار الأدب، التي تُحاورها الفنانة بفيض من خيالها الفني في معرض يضم أكثر من 100 عمل فني تحت عنوان «حواديت منسوجة من حرير» بمركز «الجزيرة للفنون» في القاهرة، ويستمر حتى 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

طوّرت الفنانة إكرام عمر، مواليد 1940، على مدار مشروعها الفني أسلوبها الخاص في فن التصوير الذي يعتمد على إدخال النسيج وخيوطه كعنصر أساسي في العمل الفني، وهو ما جعل الفنان الراحل حسين بيكار من الداعمين لإقامتها لأول معرض لها عام 1979 مُخصص لما وصفه بـ«فن التصوير النسجي»، الذي ميّز التقنيّة الفنية للفنانة المصرية.

جانب من المعرض

تستدرج الفنانة المعاني الجمالية من القماش؛ إذ تتواءم طبقاته المُلونة لتشكيل عالم مُمتد ومُتداخل من القُصاصات، تسكنه عناصر من الطبيعة الحُرة، كالزهور والأشجار والطيور، وتقوم بتطريز إيحاءات الحركة على سطح لوحاتها، بما يمنحها مشهدية تصويرية مُغايرة.

يُبرز المعرض ملامح التصوير النسجي الذي احترفته الفنانة باستخدام الإبرة والمقص إلى جانب أدواتها الفنية الأخرى، فالخيوط على رهافتها تُشيّد عالماً مُحكماً وغنياً من المفردات البصرية، التي تحمل كثيراً من العفوية والبراءة، لا سيما في المراحل الفنية المُبكرة التي واكبت سفرها إلى أوروبا برفقة زوجها الفنان التشكيلي الراحل ممدوح عمار.

459453 إكرام عمر تُقدم حكايات فنية منسوجة من الخيال والحرير
تداخلات النسيج على سطح إحدى اللوحات

تتذكر الفنانة إكرام عمر تلك المرحلة الفنية المبكرة وتقول: «المعرض يضم مراحل تطوّر علاقتي بالرسم بالتصوير على مدار أكثر من 50 سنة، منذ سفري ودراستي في باريس والتخرج في أكاديمية الفنون الجميلة بروما؛ إذ كانت تلك الفترة هي مطلع التفاتي للطبيعة الصامتة بشكل خاص، وكان ذلك منذ مطلع الستينات، حتى بدأ بالتدريج تطوّر إدخالي لخامات النسيج في متن العمل التصويري»، حسبما تقول لـ«الشرق الأوسط».

459451 إكرام عمر تُقدم حكايات فنية منسوجة من الخيال والحرير
«الشاطر حسن» من شخصيات المعرض

تبدو «الحواديت» بخلفياتها الثقافية والتراثية من أبرز معالم المعرض، فيمكن تأمل مُتتالية قامت الفنانة برسمها لـ«الشاطر حسن» وعلاقته الحائرة بعصفوره، وهناك استلهام من «كليلة ودمنة» بكائناتها الخرافية الحكيمة، وأخرى خرجت من عباءة «ليالي ألف ليلة» لنجيب محفوظ: «طالما سحرني عالم نجيب محفوظ، ووجدت نفسي أنسج من وحي أبطاله، منهم شخصية (أنيس الجليس) على سبيل المثال كما يظهر في المعرض، وكذلك انفعلت بحكايات (أهل الكهف)، وكذلك (كليلة ودمنة) التي يوجد لها عمل كبير في المعرض، وهو يعود لمرحلة تدريسي للرسم للأطفال لأكثر من 15 سنة من حياتي، وكان تلقيهم للنسج والحكايات التراثية عفوياً بشكل مدهش».

459456 إكرام عمر تُقدم حكايات فنية منسوجة من الخيال والحرير
لوحة بعنوان «أم الشعور والحبيب»

وتضيف صاحبة المعرض: «هذا المخزون الأدبي وجد طريقه إلى أعمالي، وقمت مع الوقت بتطوير مخلوقات من وحي خيالي، مثل مجموعة (جنيّة البحر) ذات الشعر الأحمر وعلاقتها بالطيور الخرافية، ومنها عمل يحمل اسم (أم الشعور والحبيب)».

ويبدو التحاوُر بين الكائنات في المعرض على خلفية نسجية لافتاً، في حين تبدو الخيوط بسُمكها المُتفاوت، وتداخلاتها البارزة وكأنها تخلق حالة إيقاعية ونغمية للأعمال، وتحتفظ كل لوحة بذاكرة إكرام عمر حول علاقتها بالخامات والقماش، لا سيما الحرير فتقول: «كنت أخرج إلى الأسواق، وأختبر الأقمشة، في المناطق الشعبية والدكاكين الصغيرة في (الموسكي) و(حارة اليهود)، وكانت هناك وكالة تبيع الحرير، حتى تعرّفت على الحرير الطبيعي لمدينة (أخميم) بصعيد مصر، وهو من أجود أنواع الحرير في العالم، ثم قادني هذا الشغف للتعرف على الحرير الطبيعي في الهند وإسبانيا وغيرهما، فكنت أشتري اللون الأبيض وتعلمت صباغة الحرير، حتى أمنحه التدريجات اللونية التي أريد أن أوظّفها في أعمالي».

459454 إكرام عمر تُقدم حكايات فنية منسوجة من الخيال والحرير
تحاور بين عناصر العمل النسجي

ويمكن لزُوار المعرض الاقتراب من ماكينة الخياطة التي كانت تستعين بها الفنانة إكرام عمر في تفصيل عالمها النسجي، وذلك في قسم خاص نظمه القائمون على المعرض للاقتراب من عالم الفنانة، وقصة شغفها الطويل بأدواتها الفنية.

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *