انطلق مئات الشباب اليهود من سكان البلدات في غلاف غزة، الذين تعرضت بلداتهم لهجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، ودفعوا الثمن الأكبر من القتلى والجرحى والأسرى، في مسيرة مشياً على الأقدام، بدأت يوم الأحد وتستمر 5 أيام، وتنتهي في مدينة القدس، وذلك للمطالبة بوقف الحرب والجنوح نحو مفاوضات لإطلاق سراح جميع الأسرى، ومحاسبة المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين أخفقوا في منع وقوع هذه الأحداث.

وتشارك في المسيرة مجموعات من الشباب والسرايا الكشفية الذين تجمعوا في منطقة غزة، ويتجهون إلى مقر الكنيست والحكومة مطالبين المسؤولين بلقائهم وسماعهم. وقالت إحدى المنظِّمات للمسيرة، جوما حمياس، إن الشباب اختاروا هذه المسيرة أولاً للتذكير بمسيرة سابقة نظمها الشباب أبناء الجيل السابق من سكان غلاف غزة في سنة 2018، والتي طالبوا فيها حكومة بنيامين نتنياهو حينها بإيجاد حل سياسي أو عسكري لمشكلة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على بلداتهم. وثانياً «نحن نوجه للحكومة رسالة بأننا لم نعد نحتمل مماطلاتها في إطلاق سرح أسرانا، ونقول لها إذا كان صعباً على أعضائها فليستقيلوا وليعطوا المهمة لقادة يستطيعون». وقالت إن عدد الذين شاركوا في مسيرة سنة 2018 بلغ 6000 شخص، وإنها تتوقع أن يشارك هذه المرة عدد أكبر.

نتنياهو يرأس اجتماعاً للحكومة في قاعدة «كيريا» العسكرية حيث مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية (إ.ب.أ)

«إسقاط نتنياهو»

وكانت حملة الاحتجاج على طريقة إدارة الحكومة والجيش للحرب قد انطلقت بمشاركة أنصار حملة الاحتجاج التي انتشرت قبل الحرب بأشهر، ضد خطة الحكومة وقتذاك للانقلاب على منظومة الحكم والجهاز القضائي، وهي الحملة التي توقفت بسبب الحرب. لكن مجموعة منهم قررت أن تعمل بشكل مستقل عن القيادة الرسمية للاحتجاج التي اختارت أن يقتصر التظاهر على نصرة عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس».

وقد أعلن هؤلاء بوضوح أنهم يكرسون أنفسهم الآن للحرب، وسيعودون للتظاهر بقوة بعد أن يتقرر وقف الحرب، لكن عدداً منهم كانوا يتظاهرون بشكل مستقل من دون إذن القيادة، وبدأوا بالعشرات فالمئات، وفي الليلة الأخيرة تخطوا 10 آلاف شخص، وأكدوا أن هذه هي انطلاقة أولية، تمهيداً للعودة إلى الشوارع وشعارهم هو: «إسقاط نتنياهو». وقد شارك فيها عدد من سكان غلاف غزة والجليل الذين جرى إخلاؤهم من بيوتهم.

وفي الوقت الذي تظاهر فيه أهالي الأسرى أمام وزارة الأمن، مقر مجلس قيادة الحرب، اختار قادة الاحتجاج إقامة مظاهرات مستقلة في كل من تل أبيب (ساحة مسرح هبيما، وسط المدينة) وقيسارية (أمام بيت نتنياهو) وحيفا. وارتدى كثير منهم قميصاً ملطخاً باللون الأحمر، رمزاً للدماء، وحمل آخرون صور نتنياهو ملطخة بالدماء.

وكانت لهجتهم حادة بشكل خاص، ثم توجهوا معاً في مسيرة أغلقت شارع كبلان وصولاً إلى ساحة «المخطوفين»، مقابل مقر قيادة الحرب، حيث أقام أهالي الأسرى تظاهرة أخرى أيضاً ضمت الآلاف مطالبة بوقف الحرب وتكريس كل الجهود لإطلاق سراح الأسرى عبر المفاوضات.

466169 عودة المظاهرات ضد نتنياهو للمطالبة بوقف الحرب
صور لإسرائيليين قُتلوا أو أُسروا في هجوم «حماس» يوم 7 أكتوبر في غلاف غزة (أ.ف.ب)

رسائل واضحة

وفي التظاهرة أمام هبيما، تكلم 3 من رموز الحرب، هم: غال فيحوفتش، وهي من سكان كيبوتس دوروت في غلاف غزة، من أوائل الذين بادروا لمساعدة المواطنين عند هجوم «حماس» في الوقت الذي تخلى عنهم فيه الجيش والمخابرات والحكومة والجميع. واشتهرت بأنها طبعت آلاف المربعات الحديدية التي كتب عليها «لإعادة المخطوفين فوراً» (باللغة الإنجليزية)، والتي مُنح عدد منها لشخصيات غربية كبيرة زارت إسرائيل خلال الحرب مثل الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون… وغيرهم. ثم تكلم الرائد في جيش الاحتياط، ليئور سيلع، الذي عاد لتوه من الحرب في غزة، وسيجاليت هليل التي قتل ابنها أوري في الحفل الموسيقي، ورون هود، المواطن من كريات شمونة في أعالي الجليل، التي أخليت من سكانها تحسباً لهجوم من «حزب الله».

وقال الضابط سيلع إنه تجند في السابع من أكتوبر مثل مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الخدمة الاحتياطية. وأضاف: «لم يكن لديّ أي تردد لأن إسرائيل بحاجة إليّ، وأنا أمتثل على الرغم من أنهم نعتوني قبل شهور عدة بالخائن. وما حدث في 7 أكتوبر جعل بيوتنا خراباً، البيت الآمن تحول إلى مصيدة موت».

وتابع قائلاً: «بدلاً من أن يشارك نتنياهو ووزراؤه في الجنازات ويتعاطف مع الضحايا، يذهبون إلى خرائب غزة ليتصوروا فوقها كأننا منتصرون. إنهم يخافون من الشهداء والقتلى والمشردين. يخافون من الحقيقة».

466171 عودة المظاهرات ضد نتنياهو للمطالبة بوقف الحرب
أنقاض مبنى دمره القصف الإسرائيلي في رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحذير من الفاشية

وفي تظاهرة قيسارية، كان الخطيب الرئيسي يائير غولان، وهو نائب رئيس أركان الجيش الأسبق، الذي كان مرشحاً لرئاسة الأركان، لكنه في حينه ألقى خطاباً حذر فيه من نمو بذور الفاشية في إسرائيل، فاستبعده نتنياهو عن المنصب وترك الجيش وتوجه إلى السياسة، وانتخب للكنيست لحزب «ميرتس» اليساري، الذي لم ينجح هذه المرة في تجاوز نسبة الحسم.

غولان اشتهر في هذه الحرب بأنه كان من أوائل الذين هبوا للقتال ضد «حماس»، وأنقذ عدداً من المواطنين العالقين، وصاروا حتى في اليمين يعدونه بطلاً، وهو ينوي توحيد حزب العمل و«ميرتس» تحت قيادته، وتتوقع له الاستطلاعات الحصول على 14 مقعداً.

وقال غولان في التظاهرة: «هذا الرجل الفظيع الذي يتولى حكمنا، لا توجد لديه اليوم خطة سياسية أو استراتيجية، لا يوجد عنده عقل أو إنسانية أو قلب أو ذوق أو أخلاق تمنعه من أن يدير الدولة ويدير الحرب في خدمة مصالحه الشخصية. إنه يجر إسرائيل إلى كارثة. كل ما يريده هو حرب طويلة بلا نهاية، وبلا جدول زمني، وبلا أهداف واضحة».

ثم توجه غولان إلى بيني غانتس بطلب عاجل أن يترك الحكومة، قائلاً له: «بيني ليس لديك ما تفعله في هذه الحكومة، لأن نتنياهو سيرفض أي خطوة ذات فائدة للدولة. ما دام هذا الرجل رئيس حكومة فإن عملية تصحيح الخلل وشفاء الدولة ستتأخر. وتجب إعادة تفعيل عمليات الاحتجاج بكل ما نملك من موارد، ولا نتوقف إلا بالذهاب إلى انتخابات جديدة سريعة؛ فوجودك في الحكومة يعرقل هذه المهمة الوطنية المقدسة».

466170 عودة المظاهرات ضد نتنياهو للمطالبة بوقف الحرب
مدفع «هاوتزر» للجيش الإسرائيلي يطلق قذائف من موقع بالقرب من الحدود مع غزة في جنوب إسرائيل (أ.ف.ب)

الإصرار على الحرب

وتكلم روني نويمان، عم إحدى الفتيات اللاتي قُتلن في هجوم «حماس» على الحفل الموسيقي في النقب قائلاً: «يحاولون إخافتنا من إطلاق سراح قتلة فلسطينيين من السجون الإسرائيلية. وأنا أقول باسم عائلتي إذا كان سيطلق في صفقة تبادل أسرى سراح من قتل ابنة أخي فإننا موافقون. المهم أن يتوقف عناء هذه العائلات وأبنائها المخطوفين. موقفنا النبيل هذا هو مطلب العصر. نحن بحاجة إلى قادة يتعلمون كيف يقدمون مصالح البلاد والشعب على مصالحهم الشخصية. وقادتنا اليوم ليسوا من هذه الطينة؛ لذلك يجب أن يذهبوا إلى جهنم، ولا يبقوا في مناصبهم».

وفي تظاهرة أهالي الأسرى شدد الخطباء على قلقهم الشديد من الخطر على حياة أبنائهم، من جراء العمليات الحربية الكثيفة للجيش الإسرائيلي. ويقولون إن هذا القلق يزداد ويجعلهم في حالات هستيرية مع كل يوم يمضي، ومع كل جندي يصاب، ومع كل معركة تقع. ووجهوا انتقادات للجيش على إصراره على المضي قدماً في العمليات الحربية.

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *