يُمكن قياس الفجوة الهائلة بين كرة القدم للسيدات وكرة القدم للرجال في مصر – أكبر دولة في شمال أفريقيا والعالم العربي من حيث عدد السكان – من خلال حظوظهما المتناقضة بشكل كبير في كأس الأمم الأفريقية للرجال، وكأس الأمم الأفريقية للسيدات – أكبر بطولتين للمنتخبات الوطنية في القارة.

فبينما يسعى منتخب الفراعنة للرجال، الفائز بكأس الأمم الأفريقية سبع مرات في إنجاز غير مسبوق، للفوز باللقب للمرة الثامنة في كوت ديفوار شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، فإن منتخب مصر للسيدات، بقيادة المدير الفني محمد كمال وقائدة الفريق مها الدمرداش، فشل في التأهل إلى نهائيات كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 2024، بعدما خسر بأربعة أهداف دون رد في مجموع مباراتي الذهاب والعودة في الجولة الأخيرة من التصفيات الأسبوع الماضي.

لم يكن هناك سوى نحو ألف شخص تقريباً في ملعب السلام، الذي يتسع لـ30 ألف متفرج في العاصمة المصرية القاهرة، لتشجيع منتخب مصر للسيدات أمام السنغال، وكان معظم الجمهور من تلاميذ المدارس. تقول إيناس مظهر، إحدى الصحافيات الرائدات في كرة القدم في البلاد، التي لها حق التصويت في جائزة الكرة الذهبية منذ 16 عاماً: «الناس بشكل عام لا يهتمون بكرة القدم النسائية في مصر».

وتضيف: «يعتقد كثيرون أن كرة القدم ليست لعبة للنساء، ولديهم وجهة نظر قديمة مفادها أن ممارسة النساء لكرة القدم لا تتوافق مع أنوثتنا وثقافتنا. يشكل هذا الموقف السلبي السائد عائقاً كبيراً أمام نمو وتطور اللعبة هنا».

ونظراً لعدم تأهل منتخب مصر للسيدات إلى بطولة كأس الأمم الأفريقية منذ عام 2016 – والمشاركة في نسختين فقط منذ إقامة البطولة في عام 1998 – سيتعين على المنتخب المصري للسيدات الانتظار لفترة أطول لإنهاء فترة الابتعاد عن البطولة. ويُعد الفشل في التأهل مرة أخرى أمراً مزعجاً للغاية بالنسبة لسحر الهواري، التي كانت في عام 1999 أول امرأة تصبح حكماً في مصر. وتُعرف سحر الهواري بصفة عامة بأنها رائدة في تطوير كرة القدم النسائية في البلاد.

كان والدها الراحل، عزت الهواري، حكماً دولياً وشخصية بارزة في كرة القدم المصرية، ولعبت سحر الهواري دوراً رئيسياً في تجميع اللاعبات اللائي شاركن في بطولة كأس الأمم الأفريقية عام 1998 في نيجيريا، وكذلك بطولة 2016 في الكاميرون.

بدأ سعيها لتغيير شكل كرة القدم المصرية، التي يهيمن عليها الرجال، في عام 1993، بعد عام واحد من وفاة والدها. قامت سحر الهواري بتعيين لاعبات كرة قدم سابقات معروفات ضمن طاقمها التدريبي، وذهبت في مهمة استكشافية في جميع أنحاء مصر لاكتشاف لاعبات جيدات لبناء فريق للسيدات، واستضافتهن في منزلها ودفعت أجورهن من جيبها الخاص.

تقول سحر الهواري: «عندما كنت صغيرة، كنت أذهب مع والدي عندما كان يعمل وكنت أرى كل ما كان يفعله، وهو الأمر الذي جعلني أعشق هذه اللعبة. لا شك أن كوني ابنته قد ساعدني كثيراً، لأنه خلق سمعة جيدة يمكنني البناء عليها. لقد واجهت الكثير من التحديات، لأن الجميع لم يكونوا يتعاملون مع كرة القدم النسائية على محمل الجد. لقد كان يتعين علي أن أفعل الكثير من الأشياء بمفردي». وتضيف: «أنا بالتأكيد لست سعيدة بالوضع الحالي لكرة القدم للسيدات في مصر. لقد تركت مجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم منذ نحو سبع سنوات. ينبغي أن تكون الأمور أفضل بكثير، ويجب أن يكون هناك تخطيط أفضل».

ورُفضت محاولاتي للتحدث مع كمال وبعض اللاعبات بشأن وضع اللعبة في مصر. وقال محمد الصايغ، المتحدث باسم الفريق: «لقد رفض الجميع في الوقت الحالي إجراء أي مقابلات، بسبب الحظر الإعلامي المفروض على الفريق (بسبب عدم التأهل لكأس الأمم الأفريقية). ستُفرض عليهن غرامات مالية إذا تحدثن لوسائل الإعلام».

انطلق الدوري المصري لكرة القدم للسيدات، والمكون من 16 فريقاً، في عام 2000. وادي دجلة هو البطل الحالي للمسابقة، لكن الاهتمام الجماهيري محدود للغاية، ولا توجد رعاية لبطولة الدوري. لقد جعل الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف) تشكيل وامتلاك فريق للسيدات شرطاً أساسياً لمشاركة فرق الرجال في دوري أبطال أفريقيا، وبالتالي أصبحت الأندية الرائدة مثل الأهلي والزمالك مضطرة الآن إلى تشكيل فرق للسيدات.

وأخذ عمر محمد عبد الله، ابن سحر الهواري، على عاتقه مهمة تطوير الجيل القادم من اللاعبات، من خلال أكاديمية «إيمز» للفتيات لكرة القدم، التي بدأت عملها في عام 2014.

يقول عبد الله إن الأكاديمية تضم 800 فتاة من جميع أنحاء البلاد، مضيفاً: «بدأت أكاديمية إيمز عملها بتنظيم بطولات كرة القدم المدرسية في عام 2013، للمدارس الدولية في جميع أنحاء القاهرة، للبنين والبنات على حد سواء. بعد أول بطولة قمنا بتنظيمها، وجدنا الكثير من المواهب الجيدة التي لم يكن لديها مكان للعب كرة القدم، لذلك قررنا إنشاء هذه المنصة من خلال دعوة جميع الفتيات اللاتي شاركن في بطولتنا، وبدأنا من هناك».

ويضيف: «بدأنا بفرع واحد في شرق القاهرة، وفي العام الثاني أصبح لدينا فرع في شرق وغرب القاهرة».

لكن عدم وجود خطة رئيسية لدى الاتحاد المصري لكرة القدم للتطوير الشامل لكرة القدم للسيدات، والالتزام بتنفيذها – مثل منتخب المغرب للسيدات الذي وصل إلى المباراة النهائية لكأس الأمم الأفريقية 2022 وأصبح أول فريق عربي يتأهل لكأس العالم، بل ووصل إلى دور الستة عشر للمونديال هذا العام – يعني أن النمو المنظم للعبة كرة القدم للسيدات في أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان سيظل سراباً!

*خدمة «الغارديان»

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *