أعادت قضية كارثة السيول، التي ضربت مدينة درنة الواقعة شمال شرقي ليبيا، إلى أذهان المواطنين كثيراً من القضايا التي تراكمت بدهاليز المحاكم على مدار السنوات الماضية، دون إصدار أحكام بشأنها، آملين في «تحقيق عدالة ناجزة»، تضع حداً للإفلات من العقاب.

وعلى الرغم من أن محكمة درنة الابتدائية حجزت قضية السيول للنطق بالحكم إلى 11 يناير (كانون الثاني) المقبل، مع استمرار حبس 16 مسؤولاً، فإن هذا الإجراء لم يبدد تخوفات ليبيين كثيرين من عدم إنجاز العدالة سريعاً، واحتمالية إطالة أمد التقاضي بها خلال مرحلة الطعون.

وذهبت تقديرات سياسيين ليبيين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، إلى أن قضية السيول التي قضى فيها آلاف المواطنين في درنة نتيجة إعصار دانيال، ربما لن تكون نموذجاً مخالفاً لبعض القضايا التي لا تزال المحاكم الليبية تواصل نظرها منذ عدة سنوات. وفي هذا السياق، رأى عضو مجلس النواب الليبي، عمار الأبلق، أن «الصراعات السياسية والمسلحة التي شهدتها ليبيا طيلة السنوات الماضية ألقت بظلالها على السلطة القضائية، وقدرتها على تحقيق العدالة التي ينشدها الليبيون في جرائم عدة، ظلت تراوح مكانها لسنوات».

كما تحدث الأبلق عن قضية المقابر الجماعية التي عثر عليها في مدينة ترهونة، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «رغم ارتفاع عدد الضحايا، فإنه لم يتم الحكم على بقية المتهمين بها؛ كما لم يتم الحكم في قضية مجزرة سجن أبو سليم، واستمرارها في المحكمة منذ أكثر من عقد مضى»، مشيراً إلى «وجود شهود لم يستطيعوا التقدم بشهادتهم في كثير من القضايا الكبرى، خوفاً من بطش أطراف سياسية نافذة، أو قادة تشكيلات مسلحة يحمون متهمين في تلك القضايا».

رغم ارتفاع عدد ضحايا مقابر ترهونة الجماعية فإنه لم يتم الحكم على بقية المتهمين بها (هيئة البحث عن المفقودين)

وأشار الأبلق إلى ما يتردد حول «ترهيب قضاة ينظرون في قضايا تمس كيانات كبرى بالبلاد سياسية ومسلحة، وبالتالي إما يلجأون لتأجيل الحكم بها، أو التنحي خوفاً على حياتهم وأسرهم؛ ومع طول أمد التقاضي يستمر حبس بعض المتهمين، البريء منهم والمذنب عل حد سواء»، مشيراً إلى «عدم تحديث التشريعات الخاصة بالنواحي المالية وانتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن عدم تطوير منظومة إجراءات التقاضي وعدم خضوع كل السجون لإشراف السلطات الحاكمة سواء بشرق البلاد أو غربها».

وصدرت أحكام بالسجن على متهمين في قضية المقابر الجماعية بترهونة في فبراير (شباط) الماضي، لكن بعض أسر الضحايا اعترضت عليها وطالبت بإعدام الجناة.

أما رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي»، أسعد زهيو، فدعا «لتفهم عمل القضاء الذي يتطلب مدى زمنياً غير هين نسبياً في كل مكان بالعالم، وليس في ليبيا فقط، ليكون الحكم في النهاية نزيهاً ومدعماً بالأدلة والشهادات». وقال زهيو لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك قضايا متشعبة تحتاج لإطار زمني واسع للتداول بشأنها، ولذا لم تصدر بها أحكام نهائية رغم مباشرتها من سنوات أمام المحاكم، مثل قضايا رموز النظام السابق الممتدة منذ 12 عاماً»، لكنه تحدث عن قضايا «لا يوجد سبب لتمديدها، كالقبض على الجناة بالجرم المشهود فيتم الفصل بها سريعاً».

473917 سياسيون ليبيون يأملون في إنهاء تراكم القضايا بـ«العدالة الناجزة»
النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

وكانت محكمة استئناف طرابلس قد قضت منتصف يونيو (حزيران) 2022، بعدم اختصاصها بالنظر في قضية «مذبحة سجن أبو سليم»، التي راح ضحيتها 1269 من نزلائه عام 1996، وأحالت ملف القضية إلى القضاء العسكري، بعد أن تم النظر فيها لأكثر من 9 سنوات أمام أكثر من دائرة للقضاء المدني.

ورغم إقراره بوجود شعور عام لدى أغلب الليبيين ببطء التقاضي وعدم إنجاز العدالة، يرى زهيو أن هذا «لا يعني تحميلهم كامل المسؤولية عن هذا الوضع للسلطة القضائية». وقال بهذا الخصوص إن غالبية الليبيين «ينظرون للسلطة القضائية كجدار الصد الأخير، الذي يلجأون إليه في ظل انهيار ثقتهم بمؤسسات أخرى بالدولة، وهم يلقون بالمسؤولية على التجاذبات السياسية، وتأخر الاستحقاق الانتخابي، وما يتبع ذلك من استمرار الانقسام الحكومي، وسطوة بعض التشكيلات المسلحة».

وأضاف زهيو موضحاً: «ما يحول دون تحقيق العدالة السماح للبعض بالهروب خارج البلاد، وإعاقة القبض على آخرين، وإخضاعهم للتحقيق أو تنفيذ ما صدر ضدهم من أحكام بالإدانة». وانتهى زهيو إلى أن «إيلاء النيابة العامة اهتماماً كبيراً بقضية درنة منذ وقوع الكارثة ينبئ بإمكان مخالفة التوقعات الراهنة بإطالة أمد التقاضي بها».

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *