تجول أعماله الفنيّة ما بين المناطق الإيطاليّة كان آخرها في توسكانا الواقعة في الوسط الإيطالي، وإن كانت ميلانو الواقعة في إقليم لومبارديا الشمالي مقره الدائم منذ سنوات.

وضوح القمر (تصوير: هدى سويد)

هو الفنّان الياباني العالمي «كازوماسا ميزوكامي» ومعرضه الذي حمل عنوان مضمونه الساحر «حيث تختبئ النجوم»، واختار مكاناً له متحف لأبرشية، محاوراً مجموعتها التي نفّذها فيما مضى فنانون مشهورون أمثال جاكوبو ديلاكويرشا، وفيليشه بالما، ودومينيكو فيازيلا، ولعلّ اختياره للأبرشية ربما يعود لسكونها القادر على بثّ واستكمال المناخ المطلوب لأعماله النحتيّة، التي بلغت نحو 46 تم تحقيقها بدءاً من عام 2016.

514871 الشاهد الأبرز في معالجة الطين المعاصرة
تحت عين السيدة العذراء (تصوير: هدى سويد)

الأعمال، إن جاز التعبير، بمثابة سفر السنوات الأخيرة، أما مادتها النحتيّة فمكوّنة باختصار من الطين واللون.

لا يُمكن قراءة أعمال ميزوكامي (مواليد آريتا 1958) من دون الإشارة سريعاً إلى سيرته ونشأته، التي انطلقت منذ طفولته في فرن إلى جانب والديه، اللذين يمتهنان صقل الفخار في المدينة المشهورة بصناعة السيراميك المُسمّى «أيماري»، وهو فن يعود إلى القرن الـ19 ذي الخصائص التزينية لمواضيع الطبيعة، باللون الأزرق تحت التزجيج والأحمر الحديدي المؤكسد فوق خلفيّة بيضاء.

514874 الشاهد الأبرز في معالجة الطين المعاصرة
تنهد الطبيعة (تصوير: هدى سويد)

منذ طفولته امتص الفن هذا واستوعب ثقافة معالجة الطين، إلا أنه لم يرغب البقاء حرفيّاً وإنما بوصفه فناناً، لذا ساقه حلمه إلى الطيران خارج آريتا متوجهاً إلى المكسيك حيث تلقّى فن النحت، كما كانت له دراسة واهتمامات في إسبانيا، بعدها انتقل إلى ميلانو التي كانت فيها إقامته الدائمة لليوم، متردداً على أكاديميّة «بريرا» حيث تلقى الدبلوم سنة 1992 علماً بأن أكثر من معرض فني أقيم له يُذكر منه سويسرا، وإسبانيا وبرشلونة إلخ…

514876 الشاهد الأبرز في معالجة الطين المعاصرة
زهور فراشات (تصوير: هدى سويد)

لعلّ أعمال الفنّان في معرضه الأخير هذا لا يمكن تناولها أيضاً بمعزل عن جذور الفن الياباني، التي استمدها من الثقافة اليابانيّة ذات الصلة الوطيدة بالطبيعة والمحيط بها من أشجار، وزهور، وصخور، وحيوانات وعلاقتها بالعنصر البشري والروحانيات.

هي ثقافة «الشنتوية» الدين الأصلي في اليابان، وما يؤول إليه من تطهير العيوب البشرية، وهي أيضاً ثقافة الجبل الملاذ لممارسة الروحانيّات، حيث تعود المعابد القديمة إلى ما قبل القرنين الثالث والرابع، لذا لا يصبح المعبد مكاناً للصلاة، بقدر ما هو ملاذ لتنقية الروح بواسطة ما يحيط به من طبيعة، بالتالي فإن الطبيعة اليابانية ليست سوى فنّ تناغم وقوة روحانيّة، تدخل هكذا من دون رادعٍ في ثقافة الـ«زن»، التي تأثرت كما تأثر الفن الياباني بالدين والفن الصيني اللذين وصلا اليابان عبر الرحلات التبشيرية الصينية.

514873 الشاهد الأبرز في معالجة الطين المعاصرة
حواء والتفاحة (تصوير: هدى سويد)

من هذا المنطلق نقرأ أعمال فنان، من خلال تجربته بصفته أحد أبرز فناني معالجة الطين المُعاصرة، وشاهداً على عمل تقني ونقي مرهف للطبيعة بكل عناصرها من ورود، وأشجار، وطيور، وأجساد، وفضاء، ومساحات، ناسين من شدّة إتقانها عند رؤيتها أن مادتها الطين وليست المائيات أو الزيتيات (أحياناً تقنيّة مختلطة).

514872 الشاهد الأبرز في معالجة الطين المعاصرة
يوم تحولات آدم (تصوير: هدى سويد)

تنساب أشكال ميزوكامي التي تغدق فرحاً تترجمها فعلاً أعماله، وروداً ملونة بالأزرق والأحمر القاني والزهري والأخضر نلمح فيها جميع الفصول، قادر من خلالها على إيصال روحه وأسلوبه فيما يُشبه الحوار بينه وبينها النابعة من المعالجة الشرقية، ومن احترامه للغة تقنيته وقدرة خفيّة في انسجام العمل فكرة، شكلاً ولوناً وضوءاً وهذا ما يميزها، منها أذكر «تنهد الطبيعة»، و«يوم تحولات آدم»، و«حواء والتفاحة»، و«اللانهائي» (2019)، حيث الورود تسبح بخفة في الفضاء، والأزرق الغامق للزهور المُسمّاة بـ«الليل الذي يراقص النجوم» (2014)، أو «رقصة المطر» (2016) وأخيراً «وضوح القمر» (2016).

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *