هل يستطيع الدبيبة حشد الشارع الليبي للاستفتاء على الدستور؟
على مدار الأيام القليلة الماضية، تبارى رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، في إطلاق تصريحات متعددة تؤكد على جاهزية إجراء الانتخابات العامة. لكن رغم توحد دعوتهما لإجراء الاستحقاق الانتخابي، فإن أهدافهما اختلفت بدرجة كبيرة.
ففي تصريحات سابقة لصالح توقع إجراء الانتخابات الرئاسية نهاية العام الحالي، في ظل جاهزية إصدار القوانين المنظمة لها، إلا أنه شدّد على أن «الأمر يتطلب تشكيل حكومة موحدة لعدم إمكانية إجرائها من قبل حكومتين»، وهو ما يعني، بحسب مراقبين، الإطاحة بحكومة الدبيبة.
أما الدبيبة الذي تحدث عن الانتخابات، وقدرة وزارة الداخلية بحكومته على تأمينها، فقد تساءل في المقابل عن أسباب عدم «طرح الدستور الذي أعدته لجنة منتخبة من الشعب للاستفتاء، وطالب بذلك».
ويرى مراقبون أنه بالرغم من تزايد حدة المناكفة السياسية بين صالح والدبيبة بخصوص إجراء الانتخابات، فإن ذلك لا ينبئ عن قدرة أي منهما على حسم الصراع بحشد الشارع الليبي، أو المواقف الدولية لصالح دعوته بشأن الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة.
في هذا السياق، تحدث رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي»، أسعد زهيو، عن تكرار لجوء الدبيبة للحديث عن ضرورة إجراء الاستفتاء على الدستور، والاكتفاء بالانتخابات التشريعية «كلما استشعر وجود تحركات محلية أو إقليمية تستهدف استبدال حكومته بواسطة أخرى جديدة، أو مع طرح مبادرة ما تتعلق بإجراء الأخيرة».
وربط زهيو في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بين تصريحات الدبيبة الأخيرة، وبين ما تم تداوله من أنباء عن تسلم البرلمان لملفات مرشحين لرئاسة «حكومة جديدة»، وتكرار دعوات صالح طيلة الأشهر الماضية بضرورة تشكيل تلك الحكومة. كما ربط التصريحات أيضاً «بوصول الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري إلى طرابلس، ومباشرتها مهامها بصفتها رئيساً للبعثة الأممية بالإنابة، وقرب انعقاد الجولة الثانية من اللقاء الثلاثي لرؤساء مجالس البرلمان والأعلى للدولة والرئاسي، برعاية الجامعة العربية في القاهرة خلال الفترة المقبلة».
وتوقع زهيو أن «تقابل خطوة الدبيبة إذا ما قرر فعلاً المضي قدماً بتفعيل مسار الاستفتاء على الدستور برفض واسع من قبل أغلب الأحزاب، والنشطاء وقطاع من الشارع» الليبي.
وسلط زهيو الضوء على قائمة طويلة من الاعتراضات والعقبات، التي تحاصر مسودة الدستور، ومن بينها رفض المكونات الثقافية، من تبو وأمازيغ وطوارق، وشرائح وقوى أخرى بالمجتمع لها، وكيف يمكن لهؤلاء جميعاً الطعن عليها، وهو ما قد يستغرق كثيراً من الوقت.
من جانبه، قال عضو مجلس النواب الليبي، صالح أفحيمة، إن «الأهم في قضية الانتخابات الليبية هو إيجاد ضمانات للقبول بنتائجها، وليس فقط معالجة أي عراقيل أو تحديات أمنية قد تواجه الحكومتين المتنازعتين على السلطة بالبلاد في مناطق نفوذهم».
ورأى أفحيمة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «من دون ضمانات للقبول بنتائجها ستعد الانتخابات قفزة للمجهول، وقد تعود بالبلاد إلى نقطة الصفر»، معرباً عن اعتقاده بأنه «من الأفضل، إذا ما صدق الحديث عن جاهزية إجراء الانتخابات، أن يفعل الاستحقاق التشريعي والرئاسي أيضاً، ومن قبلهما الاستفتاء على الدستور».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى تسمى «الوحدة» الوطنية المؤقتة في العاصمة طرابلس، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان ويرأسها أسامة حماد، وتدير شؤونها من شرق البلاد.
وبخصوص تصوره لإمكانية دعم الدول الغربية المنخرطة بالساحة الليبية لدعوة الدبيبة بإجراء الاستفتاء، والاكتفاء بالانتخابات التشريعية، قال أفحيمة موضحاً أن هناك دولاً غربية بعينها «قد تدعم الدبيبة في توجهاته لكون بقاء حكومته بالسلطة يخدم مصالحها».
وعادة ما تندد الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور بعرقلة أطراف سياسية، وقوى محلية ودولية، عملية الاستفتاء على الوثيقة الدستورية التي أعدتها في يوليو (تموز) 2017.
كما أوضح أفحيمة أن جلّ الليبيين يتطلعون للانتخابات كونها وسيلة لتجديد الشرعية، وتحقيق الاستقرار دون اكتراث قطاع كبير منهم بنوعية الاستحقاق الانتخابي، سواء كان استفتاء، أو انتخابات رئاسية وتشريعية أو تشريعية فقط.
وخلال تصريحاتهما الأخيرة، تبادل صالح والدبيبة اتهامات بالسعي للاستمرار بالسلطة، وهو ما أثار موجة واسعة من الانتقادات بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت تشبث كل منهما بموقعه.
بالمقابل، دافع المحلل السياسي الليبي، عبد الله الكبير، عن دعوة الدبيبة لإجراء الاستفتاء، وعدّها «ضرورة لحسم المطالب، والتأكد من نسبة قبول أو رفض الليبيين لتلك المسودة»، بالإضافة إلى «عدم إثارة الأمر مجدداً حتى وإن استغرق الأمر بعض الوقت، وذلك لوجود اعتراضات عدة حول تلك المسودة». وذهب الكبير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الدعوة بشأن الاستفتاء، وكذلك إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة «ستجد مناصرين كثيرين»، مرجعاً ذلك إلى «تضاؤل شعبية البرلمان، وكذلك المجلس الأعلى للدولة، الذي ينتهي دوره بالمشهد مع انتهاء دور البرلمان الحالي».
وانتهى المحلل السياسي إلى التأكيد على أن السيناريو الأقرب للواقع «هو تجميد الوضع الحالي، أي استمرار كل حكومة بمناطق نفوذها، وذلك بفعل تأثير التدخلات الدولية».
Share this content:
اكتشاف المزيد من صحيفة باتسر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.