تواصل مصر جهودها الرامية إلى تحقيق «هدنة» بين إسرائيل و«حركة حماس» في قطاع غزة. وبينما ترى القاهرة «أجواءً إيجابية» في «المشاورات الصعبة المستمرة منذ عدة أشهر»، طالب وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الأربعاء، بـ«إبداء قدر من المرونة» لإنجاز الاتفاق.
وأكد مصدر مصري «استمرار جهود الوصول إلى اتفاق لهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية». ونقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، الأربعاء، عن المصدر المصري – الذي وصفته برفيع المستوى – قوله إن «هناك مشاورات مصرية مع جميع الأطراف المعنية لحسم بعض النقاط الخلافية بين الطرفين»، في إشارة إلى «إسرائيل و(حركة حماس)».
وكان وفد من «حماس» قد أجرى مباحثات موسعة مع مسؤولين أمنيين مصريين، الاثنين الماضي، تناولت مقترحاً جديداً قدمته القاهرة، وناقشته مع مسؤولين إسرائيليين خلال زيارة قام بها وفد أمني مصري إلى تل أبيب، الجمعة الماضي.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية المصري، الأربعاء، إن «بلاده تبذل جهوداً مضنية للوصول لاتفاق (هدنة) من خلال طرحها لمقترحات قابلة للتنفيذ». وأكد شكري خلال لقاء نظيره الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، في القاهرة، «أهمية إبداء الأطراف للمرونة اللازمة للوصول إلى اتفاق يحقن دماء الفلسطينيين ويدفع نحو التهدئة، وصولاً إلى وقف كامل لإطلاق النار»، وفق إفادة رسمية للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الفرنسي «الخاطفة» للقاهرة، في إطار «استكمال التشاور والتنسيق الوثيق بين البلدين لحلحلة الوضع المتأزم في قطاع غزة واحتواء التصعيد الإقليمي بالمنطقة»، فضلاً عن «رغبة الوزير الفرنسي في إطلاع نظيره المصري على محصلة اتصالاته ولقاءاته خلال زياراته الأخيرة لإسرائيل ولبنان»، وفق متحدث «الخارجية المصرية». وأشار أبو زيد إلى أن «المحادثات بين الوزيرين تناولت تبادل التقييمات بشأن مفاوضات الهدنة الجارية بين (حماس) وإسرائيل بوساطة مصرية للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين».
وكانت وكالة «رويترز» للأنباء قد نقلت عن مصدر دبلوماسي فرنسي، قوله قبيل الزيارة، إن «القاهرة لم تكن مقررة سلفاً خلال جولة سيجورنيه في الشرق الأوسط، لكن تم إدراجها، مع وصول الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق هدنة بين إسرائيل و(حركة حماس)، وإطلاق سراح المحتجزين في غزة إلى مرحلة حاسمة».
ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي يسعى الوسطاء في مصر وقطر والولايات المتحدة إلى إنجاز هدنة في غزة، لكن جولات المفاوضات الماراثونية الصعبة لم تسفر عن اتفاق حتى الآن بسبب تمسك كل من إسرائيل و«حركة حماس»، بمطالبهما.
بدوره، قال وزير الخارجية الفرنسي، الأربعاء، إنه «لا يزال هناك عمل يتعين القيام به للتوصل إلى هدنة بين إسرائيل و(حركة حماس)». وأضاف عقب لقاء مع نظيره المصري: «جئنا لتنسيق جهودنا من أجل التوصل إلى هدنة. والرسائل التي وجهتها فرنسا وشركاؤها العرب في المنطقة هي أن تتراجع إسرائيل عن شن الهجوم في رفح»، وفق ما نقلته «رويترز».
ورفض سيجورنيه الكشف عن مدى تفاؤله بشأن التوصل إلى اتفاق، لكنه أشار إلى أنه «يأمل في إدراج الرهائن الـ3 الفرنسيين – الإسرائيليين على قائمة من سيتم الإفراج عنهم في حالة التوصل إلى هدنة».
ولا يزال ثلاثة من مواطني فرنسا محتجزين لدى «حماس» منذ السابع من أكتوبر (كانون الأول) الماضي. وتأتي زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى مصر بعد أن توقف في كل من لبنان والمملكة العربية السعودية، وإسرائيل.
وتنتظر القاهرة «رداً مكتوباً» من «حماس» على المقترح الذي وصفته الولايات المتحدة الأميركية في وقت سابق بأنه «سخي». ونقلت «وكالة الأنباء الفرنسية» عن القيادي في الحركة، سهيل الهندي، قوله الأربعاء، إن «(حماس) سوف تسلم ردها بشكل واضح خلال فترة قريبة جداً»، مشدداً على «ضرورة التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار». وأضاف: «هناك ملاحظات حول ما تم تقديمه للحركة من قبل مصر، والحركة بيّنت هذه الملاحظات، وهناك مزيد من النقاشات داخل أروقة الحركة، لا نريد أن نتحدث هل هناك تقدم أم لا؟ فالأمر سابق لأوانه». بينما رجح مصدر مطلع على المفاوضات، أن «الوسطاء القطريين يتوقعون رداً من (حماس) خلال يوم أو اثنين على الأكثر»، بحسب «وكالة الأنباء الفرنسية».
وترفض إسرائيل الموافقة على وقف دائم لإطلاق النار، حيث شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، على أن إنهاء الحرب قبل تحقيق جميع أهداف إسرائيل «غير مقبول».
في السياق أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، رخا أحمد حسن، أن «إنجاز اتفاق هدنة من عدمه أصبح مرتبطاً الآن بما سيتضمنه رد حركة (حماس)»، موضحاً أن «الولايات المتحدة طالبت (حماس) بقبول ما وصفته بالعرض (السخي)، وتقديم تنازلات في حين تستمر في دعم موقف إسرائيل». وقال حسن لـ«الشرق الأوسط» إن «تل أبيب متمسكة بالإبقاء على الشريط الفاصل بين شمال وجنوب قطاع غزة، لتفتيش العائدين إلى الشمال، وهي نقطة خلاف رئيسية تضاف إلى الخلاف المتعلق بعدد ونوعية المفرج عنهم في إطار صفقة التبادل». وأضاف أن «الجميع يريد اتفاقاً لوقف إطلاق النار في ظل الوضع المأساوي في غزة، والأيام المقبلة ستكشف عما إذا كانت هناك بارقة أمل أم أن الجمود سيظل متحكما في المشهد».
وبشأن الدور الفرنسي، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إن «باريس تسعى لإرضاء الرأي العام الداخلي بإظهار محاولتها وقف إطلاق النار أو حتى إطلاق سراح محتجزين فرنسيين، إضافة إلى محاولة إيجاد دور في لبنان».
بالفعل، تطرقت المباحثات بين شكري وسيجورنيه، الأربعاء، أيضاً إلى الوضع «المحتدم» على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، حيث استعرض وزير الخارجية الفرنسي نتائج زيارته الأخيرة إلى لبنان وجهود بلاده لاحتواء التصعيد في جنوب لبنان للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع في المنطقة، وتجنيب لبنان المزيد من عوامل عدم الاستقرار على خلفية الوضع في غزة. وأكد سيجورنيه أن «الهدنة المحتملة في غزة يتعين أن تقترن بهدنة مماثلة في لبنان»، بحسب بيان «الخارجية المصرية».
وخلال اللقاء، أعاد شكري وسيجورنيه التأكيد على «الرفض المُطلق لأي محاولات إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، وجعل القطاع منطقة غير قابلة للحياة». وتوافق الوزيران على «الرفض الكامل لأي عملية عسكرية برية في رفح الفلسطينية لمخاطرها الإنسانية غير المحتملة، وتهديدها لاستقرار المنطقة، نتيجة وجود أكثر من 1.4 مليون فلسطيني نازح يوجدون في جنوب القطاع كونها باتت المنطقة الآمنة نسبياً الوحيدة في القطاع»، وفق متحدث «الخارجية المصرية».
وسبق أن أكدت مصر أكثر من مرة رفضها «تهجير الفلسطينيين» داخل أو خارج أراضيهم، وعدته «تصفية للقضية الفلسطينية». وتزايدت المخاوف من تنفيذ «مخطط التهجير» مع تهديدات إسرائيلية متكررة بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في مدينة رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، يخشى أن تتسبب في دفع الفلسطينيين تجاه الحدود المصرية.
كما بحث شكري وسيجورنيه، الأربعاء، في القاهرة، الأوضاع الإنسانية المأساوية في قطاع غزة، حيث شدّد شكري على «ضرورة توفير مزيد من المساعدات الإنسانية في ظل تلك الأوضاع المتردية، فضلاً عن حتمية الضغط على إسرائيل لفتح المعابر البرية، وتعزيز نفاذ تلك المساعدات إلى داخل القطاع». وأكد الوزيران أهمية دعم جهود كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيغريد كاخ، لتنفيذ المهام الموكلة إليها بموجب قرار مجلس الأمن (2720) لتسهيل وتنسيق ومراقبة عملية إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. واتفق الوزيران على استمرار التشاور الوثيق حول تطورات الأوضاع في غزة وما يرتبط بها من تطورات إقليمية، وكذا تعزيز الجهود لتحقيق وقف إطلاق النار، واستعادة المسار السياسي للتسوية الشاملة للقضية الفلسطينية من خلال إعادة تفعيل حل الدولتين.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الفرنسي «حرص بلاده على دعم الجهود العربية من أجل التوصل إلى أفق حقيقي لحل القضية الفلسطينية، استناداً لمكانة فرنسا بصفتها عضوة دائمة في مجلس الأمن ودولة داعمة للقضايا العربية، وفي مقدمتها الحقوق الفلسطينية»، وفق متحدث «الخارجية المصرية».
Share this content:
اكتشاف المزيد من صحيفة باتسر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.