في الوقت الذي كشف فيه مصدر سعودي لـ«الشرق الأوسط» عن انعقاد قمة عربيّة طارئة في 11 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بالسعودية؛ لبحث «سُبُل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وملف الأسرى، إضافة إلى كيفية إدخال المساعدات للقطاع بشكل آمن ومستدام»، تواصل الرياض سلك مسارات متعددة، في محاولةٍ منها لاحتواء المخاطر المحتملة التي حذّرت منها من وراء العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وتأتي القمة العربية الطارئة التي من المقرّر أن تستضيفها العاصمة السعودية، آخر مستجدّات الجهود السعودية الحثيثة لاحتواء التطوّرات الجارية. وكانت السعودية بوصفها رئيس القمة الإسلامية في دورتها الحالية ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي، قد احتضنت في 18 من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي اجتماعاً استثنائياً وعاجلاً على مستوى وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي؛ لتدارس التصعيد العسكري في غزة ومحيطها، وتفاقم الأوضاع بما يهدد المدنيين، وأمن واستقرار المنطقة. كما شاركت الرياض في «قمة القاهرة للسلام»، في الـ21 من الشهر الحالي، بُعيد احتضانها قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، التي دعت في بيانها الختامي إلى «دعم مبادرة السعودية والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية لإحياء مبادرة السلام العربية بالتنسيق مع مصر والأردن، وتسوية النزاع بين إسرائيل وجيرانها، وفقاً للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».

وفي مؤشّر على عدم قبول السعودية وعدد من شركائها ما أفرزته «قمة القاهرة للسلام» من غياب الاتفاق الدولي على بيان ختامي مشترك، أخذت السعودية وعدد من الدول العربية المشارِكة في القمة، زمام المبادرة بإصدار بيان مشترك جاء شديد اللهجة، رفضت فيه «أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، ومحاولات تهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه بأي صورة من الصور بوصفه انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني، وبمثابة جريمة حرب».

مساعٍ سعودية في البيت الأبيض

في هذه الأثناء، أكّد وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، من البيت الأبيض، «ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وحماية المدنيين، ووقف التهجير القسري»، وخلال لقائه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في إطار الزيارة التي يجريها الوزير السعودي إلى واشنطن للقاء كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، شدّد الأمير خالد بن سلمان على «السماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق، والعمل على استعادة مسار السلام، بما يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، بما يكفل تحقيق السلام العادل والشامل».

واتّسمت المساعي الدبلوماسية السعودية، منذ مطلع العام الحالي، بالتحذير المستمر من انفجار الأحداث «نتيجة الاستفزازات الإسرائيلية المستمرة»، بالإضافة إلى مطالبات استمرّت حتى اللحظة بأن يضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال ووقف التصعيد وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، لتسلّط الأحداث الأخيرة الضوء على تحذيرات الرياض التي استمرت حتى قبل أحداث الـ7 من أكتوبر الحالي، بـ24 ساعة.

حشد التأييد الدولي

تتحرك السعودية في كل ما يخص القضية الفلسطينية من أسس واضحة ومعيار يتمثل في «الشرعية الدولية التي اكتسبتها القضية». يقول الدكتور عبد الله الرفاعي، أستاذ كرسي اليونيسكو للحوار والإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود لـ«الشرق الأوسط»: «هذا محور مهم تحرص عليه السعودية للحفاظ على التأييد الدولي للقضية بشكل عام، ولذلك هي تدعم كل الجهود التي تعزز من الحق الفلسطيني، وتتصدى لكل محاولات القوى المناوئة لهذا الحق، سواء كانت تستخدم أسماء فلسطينية أو جهات فلسطينية».

ويقرأ الرفاعي تحرّك السعودية من باب دعم القضية الفلسطينية من خلال دعم المشروعات الدولية التي تكون مسؤولة عنها بشكل مباشر السلطة الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو حتى في غزة، وزاد: «السعودية استطاعت أن تتعامل بذكاء سياسي، بحيث تصل المساعدات والدعم من خلال القنوات الرسمية الشرعية الدولية للفلسطينيين، وحشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية والمعاناة لسكان غزة. لذلك كانت لها مبادرات كثيرة في إعادة الإعمار، ودعم الخدمات التي يحتاجها سكان غزة بشكل مباشر».

وأشار إلى أن السعودية بذلت جهداً كبيراً مع المجتمع الدولي للتفريق بين ما تقوم به «حماس» والحقوق الفلسطينية التي يجمع عليها العالم، عادّاً ذلك «أكبر تحدٍ يواجه كل الملتزمين بالقضية الفلسطينية نتيجة التداخلات التي طرأت بعد فرض (حماس) هيمنتها على قطاع غزة، وهذا له دور كبير في زيادة المعاناة للشعب الفلسطيني هناك». وأردف: «لذلك لو تابعنا جهود السعودية في الأمم المتحدة نجد محاولة عدم ربط القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأعمال المنظمات التي ليست تحت مظلة الشرعية الدولية».

تواصلت المطالبات السعودية بأن يضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف التصعيد وحماية المدنيين (واس)

27 بياناً رسمياً

وفي رصد خاص لـ«الشرق الأوسط» حاولت من خلاله استعراض البيانات السعودية الرسمية التي انطلقت بشكل منفرد عبر الخارجية السعودية، وصل عدد البيانات الرسمية المرتبطة بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية والتطوّرات المرتبطة بها منذ بداية العام الحالي، إلى 27 بياناً رسمياً، كان أولها في 3 يناير (كانون الثاني)، واستمرّت حتى اللحظة بصيغة غلب عليها التحذير من انفجار الأوضاع، والمطالبة بتوفير الحماية اللازمة للمدنيّين، مع مطالبة المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال.

وفضلاً عن البيانات الرسمية المنفردة، احتضنت السعودية عدداً من القمم والتجمّعات الرسمية ذات الطابع السياسي، ليتصدّر الملف الفلسطيني قائمة الملفات ذات الأولويّة في المناقشات، علاوةً على البيانات الثنائية التي تصدر بالعادة بعد اللقاءات على مستوى القمم التي جمعت القيادة السعودية بنظرائها في العالم خلال العام الحالي.

يضاف ذلك إلى تعيين السعودية في أغسطس (آب) الماضي، السفير نايف السديري، سفيراً فوق العادة، مفوضاً غير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصلاً عاماً في مدينة القدس، الذي دعا من رام الله إلى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

وفضلاً عن الاتصالات رفيعة المستوى التي أجراها وتلقّاها ولي العهد السعودي منذ 7 من الشهر الحالي، يلعب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان دوراً نشيطاً، حيث أجرى منذ اندلاع أحداث الـ7 من أكتوبر الحالي مشاورات سياسية مع نظرائه حول العالم تجاوز عددها الـ70 اتصالاً ولقاءً ثنائيّاً حتى اللحظة، بالإضافة إلى الرحلات المكّوكيّة التي أجراها إلى عدد من العواصم؛ لحشد تأييد إقليمي ودولي لوقف التصعيد الجاري في غزة.

396088 مساعٍ سعودية في واشنطن وقمة عربية طارئة
في إطار الاهتمام السعودي بالقضية الفلسطينية جاء تعيين نايف السديري أول سفير سعودي لدى فلسطين (وكالة الأنباء الفلسطينية)

الملف الفلسطيني في صدارة أولويات السعودية

وبرز ملف القضية الفلسطينيّة في طليعة الملفات التي تطرّق إليها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، في الحوار التلفزيوني مع محطة «فوكس نيوز» الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث شدّد الأمير محمد بن سلمان خلال الحوار على أهميّة حل القضية الفلسطينية، عادّاً ذلك أساسياً في مفاوضات بلاده مع الولايات المتحدة التي تتضمّن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مضيفاً أن السعودية مهتمة «بحصول الفلسطينيين على حياة أفضل»، وأنها مستمرة في المفاوضات مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لرفع معاناة الفلسطينيين.

محلّلون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، عدّوا أن موقف السعودية تجاه القضية الفلسطينية أعطى مصداقية لرؤيتها بشأن ذلك، وجعل القيادات العالمية تتجه إليها نظراً لوزنها الدولي والإقليمي، ووضوح منهجها، مشيرين إلى أن البيانات التحذيريّة والتحركات الدبلوماسية التي سبقت انفجار الأوضاع، أظهرت مدى بُعد النظرة السعودية لمسار الأحداث في المنطقة.

احتمالية تحرك دبلوماسي أوثق بين الرياض وواشنطن

وفي قراءة من منظور دولي، يقول براين كاتوليس نائب رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات» في واشنطن: «يُظهر بيان السعودية الأخير، الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، مدى قلقها بشأن المخاطر التي تشكلها هذه العملية العسكرية على المدنيين الفلسطينيين، والمخاطر التي ترى أن هذه العملية تثير حرباً إقليمية أوسع».

ويعتقد كاتوليس أن «هناك بعض الاحتمالات بأن تعمل أميركا والسعودية معاً بشكل أوثق دبلوماسياً إذا تصاعد الصراع أكثر»، مشيراً إلى أن «السعودية تتمتع بعلاقات وروابط مهمة مع الجهات الفاعلة الرئيسية في جميع أنحاء العالم العربي، وحتى مع إيران، وقد يكون مثل هذا التنسيق الدبلوماسي الثنائي مهماً للغاية في احتواء الصراع».

وأضاف أن «الفجوة بين المواقف السياسية للولايات المتحدة والسعودية في الوقت الحالي مؤشر على مدى الصعوبة التي تواجهها أميركا في بناء تحالف إقليمي متماسك». ويرى أن «عام 2023 ليس عام 2014، عندما تمكّنت الولايات المتحدة من إيجاد أرضية مشتركة مع شركاء مثل السعودية ضد (داعش)، أو عام 1991، عندما قامت أميركا ببناء تحالف واسع لإخراج العراق من الكويت».

Share this content:

من eshrag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *